فإنا ستقبلون أمرا له وجوه وألوان. لا تقوم له القلوب ولا ثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت. واعلموا إني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم وأنا لكم وزير خير لكم مني أمير " (1).
لقد أخبرهم بأن الأيام في بطونها كثير في وقت بهتت فيه الحقيقة ودثرها الغمام في عالم اللارواية ثم خيرهم إما أن يجيبهم ويركب بهم ما يعلم وإما أن يتركوه. وهو ما قال هذا إلا لأمرين:
أولهما: أن الناس أعداء ما جهلوا (2). فأراد أن يبين لهم الخطوط الرئيسية حتى يكونوا على علم بما جهلوا.
وثانيهما: أنه أخبرهم بخطة عمله كما أخبر من قبل في يوم الشورى على عهد عمر. ليكونوا على بينة من أمرهم ويضعهم في دائرة الاختيار كما وضع غيرهم من قبل. وهذا شأن الحجة في كل زمان ومكان فالحجة تفتح الأبواب ولا إكراه في الدين. وهذا في حد ذاته أسمى معاني الحرية. وقبلت أعداد غفيرة أن يبايعوه على ذلك فقال فيما رواه الطبري: ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفيا ولا تكون إلا عن رضا المسلمين. فلما دخل المسجد دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس (3)، ولم يتخلف أحد من الأنصار إلا بايع (4)، وروي كان أول من بايعه طلحة ثم الزبير (5) وروى ابن حجر في فتح الباري: عن الأشتر قال: رأيت طلحة والزبير بايعا عليا طائعين غير مكرهين (6).