أصحاب المخططات الحربية. يجيدون تحديد أعدائهم بدقة وبسرعة وبتركيز.
وسبب ذلك أن الله جعلهم في ذعر دائم. وقد وصفهم الله في كتابه فقال: (لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون) (1) فهم في جزع وفزع وهلع وفي انزعاج دائم من ضرر متوقع. وإنهم لدفع هذا الضرر لو يجدون حصنا يتحصنون به وحرزا يتحرزون به أو مغارات في الجبال أو نفق في الأرض لأسرعوا في ذلك لا يصرفهم عنه شئ. فهذا النمط البشري في فزع من المستقبل ولهذا فهم في حرب مع كل مستقبل.
والذين في قلوبهم مرض أو زيغ كانوا يعلمون أن السماء لن تضربهم بعقاب ما دام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم لقوله تعالى: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) (2)، فالعذاب لا يضربهم ما دام الرسول فيهم. ولا يضربهم العذاب إذا استغفروا لذنوبهم وتابوا وعادوا إلى الرحاب الآمن. فإذا قبض الله تعالى رسوله إليه. فإنهم سيقفون تحت قانون هذه الآية: (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون...) (3)، ويبقى الاستغفار لمن أراد أن يستقيم. لقد علموا ذلك في العهد النبوي. علموا أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. وسيكون العقاب منهم أقرب. ولكن على يد من سيكون هذا العقاب؟ لقد كان في ذاكرتهم حدث وحديث. يمكن عليهما رصد حامل العقاب الذي يدخره المستقبل لهم. روى ربعي بن حراش الذي قال فيه الإمام الترمذي: سمعت الجارود يقول: سمعت وكيعا يقول. لم يكذب ربعي بن حراش في الإسلام كذبة (4)، روى ربعي عن علي أنه قال: لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل بن عمرو وأناس من رؤساء المشركين. فقالوا: يا رسول الله. خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا وليس لهم فقه في الدين. وإنما خرجوا فرارا من أموالنا وضياعنا. فأرددهم