ألم تر أن دأب القرآن التمييز بين الحق والباطل والعلم والجهل والجهاد والقعود وغير هذا حتى يكون لكل شئ معالمه ولا تختلط الأوراق. حتى النبوة لا بد أن يكون عليها من الله برهان، والإمامة قال تعالى فيها لإبراهيم عليه السلام: (لا ينال عهدي الظالمين) (1). وعلى هذا لا بد أن يحدد للناس من العادل ويكون عدله حجة بذاتها على الظالمين.
وكذلك الخلافة. فالخلافة عنه تعالى منزلة. وما دامت عنه تعالى فهو سبحانه الذي يحدد دائرتها. فكم من دائرة إنسانية مهمتها الصد عن السبيل وكل دائرة لها أسماؤها الرنانة. وإذا كان الشيطان قد زخرف قاموس الأسماء وخرج من أتباعه من يدعي الألوهية والنبوة ومراتب الصلاح فلا بد أن يقابل هذا الدوائر الحق التي تشير للناس نحو دوائر الزيف وتسوقهم إلى الصراط المستقيم.
والقرآن أشار إلى دائرة الخلافة وكيف نسبها الله إلى نفسه. فداوود عليه السلام كان رسولا. وبمنزلة الرسالة كان يحق له أن يدخل أي دائرة من دوائر الهدى ولكنه لم يدخل إلا بإذنه، قال تعالى: (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) (2).
فالخلافة ليست وجاهة، لا بد للخليفة أن يتخلق بأخلاق الله. ويريد ويفعل ما يريده الله. ويحكم ويقضي بما يقضي به الله. والله يقضي بالحق وأن يسلك سبيل الله ويسوق الناس إليه ولا يتعداه. ولا يتبع في قضائه الهوى هوى النفس لأنه يضل عن الحق. ولهذا وصف النبي الخليفة المظلوم الذي يقتل فقال: " خليفة يقتل مظلوما وهو مصطبر يعطي الحق من نفسه ".
ودائرة الخلافة لا يجب أن تفترق عن القرآن ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي