أصليها..
ثم خرج باكيا، فاجتمع إليه الناس، فقال لهم: يبيت كل رجل منكم يعانق حليلته، مسرورا بأهله، وتركتموني وما أنا فيه؟! لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتكم " (1).
إذا، فأبو بكر يعلم أن غضب الزهراء (عليها السلام) يغضب النبي (صلى الله عليه وآله) وأن سخطها يسخطه، ويعلم براءتها من الغضب الذي لا أساس له، فقد شهد بهذا أبو بكر نفسه بإثباته أنها ورثت العلم والإيمان والحكمة والسنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذا يوضح أن غضبها لا يكون إلا بالحق، ولا يكون رضاها إلا به، ولذلك استعاذ أبو بكر بالله من غضبها قائلا:
أنا عائذ بالله تعالى من سخطه....، ثم انتحب يبكي، إحساسا منه بخطورة الموقف.
واهتزت أركان الخلافة بسبب هذا الغضب الفاطمي، وأصبحت بيعة الناس له لا تزن عنده عقال بعير، فسعى لأن يكون منها في حل لو استطاع. ولكن هيهات، فلقد أحكم عقدها في أعناق الناس، ولما لم يجد أبو بكر فكاكا منها صار في لحظات احتضاره يجتر مرارة الندم ويتعلق بحبال التمني.
فقد قال يوم وفاته: " ثلاث فعلتهن، ليتني كنت تركتهن، فليتني تركت بيت علي، وإن كان أعلن علي الحرب " (2).. وقد صاحت الزهراء يومئذ مخبرة أباها عليه السلام بما حدث لأهل بيته من بعده، فقالت: " يا أبت، يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة! " (3).
فماذا لقيت الزهراء (عليها السلام) منهما يا ترى؟!!
والسؤال الذي يطرح نفسه لا محالة: كيف للزهراء الطاهرة أن تقف هذا الموقف من أبي بكر وعمر، والرسول قد قيل إنه قال: " اقتدوا باللذين من بعدي: أبو بكر وعمر "؟!
أفتراها نسيت ما ورثته من عمل وحكمة وسنة، ولما يمض على وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) إلا أيام؟!!