معنى التصرف في شؤونه، وفهم أن عليا عليه السلام أولى به من نفسه.. ولهذا قال للنبي صلى الله عليه وآله:
" حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا ". ولهذا أقسم النبي صلى الله عليه وآله ذلك القسم لا ليؤكد له أن عليا محبكم وناصركم، وإنما لتأكيد أمر أخطر وأكبر يغضب له أمثال الفهري هذا ويفضلون عليه العذاب، وإنما ذلك الأمر هو الإمامة والخلافة والولاية على المؤمنين بعد النبي صلى الله عليه وآله.. ولذا أقسم النبي صلى الله عليه وآله ليؤكد أنه من الله تعالى.
فلا يصح لمؤمن بالله ورسوله أن يشك في ولاية علي عليه السلام بمعنى الخلافة والقيادة، إذ ليس لهذا الشك أي دليل ولا حجة، فعلي ولي الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله مباشرة دون فصل.
يقول الشيخ علي بن زيد العابدين أطال الله بقاءه: " روى أبو داود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه: أنت ولي كل مؤمن بعدي.
" وليست البعدية بعدية زمانية، كما يتبادر لبعض الأذهان، بل المقصود: ليس أحد أولى بالمؤمنين في الترتيب بعد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في وجوده وبعده من علي كرم الله وجهه، فالبعدية بعدية ترتيبية لا زمانية ".
وبعد أن تقرر هذا نعلم أن الولاية قد انحصرت في ثلاثة: الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وآله، والذين آمنوا. ولما كان علي هو ولي المؤمنين بعد النبي صلى الله عليه وآله بلا فصل فيكون الذين آمنوا هم عليا عليه السلام. ولم يدع أحد الولاية على المسلمين بالنص النبوي الإلهي غيره، فيكون النبي صلى الله عليه وآله قد شرح وبين معنى (الذين آمنوا) بذكره ولاية علي من بعده.
وكما وضح، فلا يصح أن يفسر معنى الولاية هنا بالنصرة والمحبة، لأننا ذكرنا أن النصرة والمحبة للمؤمنين لا تختصان بعلي وحده، لكي يضطر النبي صلى الله عليه وآله إلى إعلان ذلك مرات ومرات، فهما صفتان يجب أن تتوفرا بين المؤمنين كافة، وإلا فيجب أن يعني هذا أن أبا بكر وسائر الصحابة ليس لهم تلك النصرة وهذه المحبة نحو المؤمنين. وإن كانت لهم، فلماذا أعلن النبي صلى الله عليه وآله ذلك مختصا به عليا عليه السلام دون أبي بكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة؟ فهل كل هؤلاء ليس لهم محبة ونصرة للمؤمنين؟! أم أن المسألة تعني شيئا آخر غير هاتين الصفتين؟