إن من المعلوم الذي لا شك فيه أن كتاب الله تعالى معصوم لا يأتيه الباطل من أي ناحية، ولا يعتريه التغيير أو التبديل بتغير الزمان أو تبدل المكان، إذ هو صالح لكل مكان وأوان، ثم إنه الثقل الأول من الثقلين. وقد علمنا أن العترة النبوية هي الثقل الثاني، وأن العترة وكتاب الله هما كفتا ميزان الدين المتعادل، وقد أخبرنا صلى الله عليه وآله بأنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض.
إن الافتراق الذي نفاه النبي صلى الله عليه وآله بين الثقلين وضح عدم إمكانية حدوثه، لأن أداة النفي " لن " تؤكد عدم إمكانية الحدوث، وعبارته صلى الله عليه وآله: " حتى يردا علي الحوض " تبين عدم الافتراق بين الثقلين إلى يوم القيامة، فهما متلازمان معا أبدا ما بقي الزمان والمكان.
ولكن.. ما هو نوع المعية بين الثقلين؟!
وما هي كيفية الملازمة بينهما؟ علما أن الملازمة إما أن تكون مادية، وهو تلاقي الأشياء بعضها ببعض، كتلاقي جسمين متباينين جنبا إلى جنب. ويكون تلاقي الثقلين على هذا المعنى هو اصطحاب العترة لصحائف الكتاب، سواء بحملها بالأيدي أو بوضعها بالقرب منهم. وبعبارة أوضح هو عدم بقاء أحدهم إلا وفي صحبته مصحف.
ولكن هذا المعنى لا يستقيم ولا يتفق مع اختصاصهم برفقة القرآن، وذلك لوجوه:
أولا: إن عدم مفارقة الكتاب بهذا المعنى المادي لا يختص بأحد من الناس، بل حتى غير المسلمين يمكن لهم مرافقة القرآن بهذا المعنى واصطحابه أينما حلوا. ولهذا فليس في ذلك خصوصية أو أفضلية لأهل البيت، إذ يشاركهم في ذلك جميع الناس.
ثانيا: إن النفي يؤكد عدم الافتراق بين الثقلين إلى يوم ورود الحوض. وعدم مفارقة القرآن على هذا المعنى أمر محال، فالنوم والموت والمرض كل ذلك من مسببات الافتراق بين العترة والكتاب.
إذا، فليس هو المقصود من عبارة: " لن يفترقا حتى يردا على الحوض ". وما ذكرناه في ذلك بديهي للغاية.
ولا يبقى إذا إلا المعنى المعنوي للمعية والتلازم بين الثقلين، إذ بذلك تبقى المعية أبدا ويظل التلاقي بينهما حتى بلوغ الحوض، ولا يؤدي النوم أو المرض أو الموت حالتئذ