خلال ثلاث وعشرين سنة من عمر الرسالة، ولم يتسع الوقت لذلك.. فكيف اتسع له الوقت لكتابتها وهو محتضر؟!
ولو كان يريد أن يكتب لهم باتباع الكتاب وحده، فقد سبقه ابن الخطاب بذلك لما قال: " حسبنا كتاب الله "، ولكن لم يقبل منه، بل غضب لذلك وأخرجهم، كما عرفت.
إن ما أراد النبي صلى الله عليه وآله كتابته للناس في لحظة احتضاره إذا هو الثقل الثاني، ليعمل به إلى جانب الثقل الأول من أجل أن تتحقق لهم النجاة من الضلال. ولما لم يكن ما أراده هو تدوين السنة فهو الوصية: العترة، بلا شك، إلى جانب القرآن.
فالعترة هي الثقل الثاني، واتباعها هو اتباع القرآن. وهذا هو بعينه ما فهمه عمر، واعترف به لابن عباس، كما سيأتي.
على أن ما ذكرناه تؤيده روايات الحديث الأخرى، وتشرح ما جاء في رواية مسلم:
عن زيد بن أرقم، قال: " رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وأهل بيتي. وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " (1).
كما روى أحمد بن حنبل أنه صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي. ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما " (2).
وبهذه الروايات الواضحة تتضح حقيقة أهل البيت، وتظهر عصمتهم في أجلى مظاهرها، وتصرح بها عبارات الحديث في بلاغة وفصاحة يعيها من تدبر وتفكر.
" وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " إن التدبر في العبارة أعلاه يزيل كل شكوك تثار حول مسألة عصمة أهل البيت، وبه يزول كل ما أثاره الناصبون من غبار حول أهل البيت وعصمتهم.