القربى هذا تمتلئ النفس باليقين، ليس امتلاء وعاء، وإنما استحالة إلى اليقين... بل عين اليقين.. فينكشف باليقين اليقين، ولا يرى من خلف اليقين، حيث لا شئ في عالم اليقين غير اليقين.
فأين النفس وأهواؤها؟ وأين الشيطان وهمزاته؟! فهذا مقام ليس لهما إليه من نفوذ.
إن شدة العلم اليقيني إنما هي في عالم اليقين كما وكيفا، فلا يغدو شئ غير معلوم، ولا تبقى حقيقة غير مشهودة. وعلم في هذه الشدة ليس للجهل فيه من نصيب أبدا.
والأخطاء معاليل الجهل، وحيث لا جهل فلا خطأ، وحيث اليقين فكل شئ هناك صواب وحق صرف.
ولهذا لا يمكن تصور هذه العصمة في هذا المقام مسبوقة بارتكاب المعاصي والأخطاء، أو معقوبة بها، لأن الإيمان الباعث لهذه العصمة هو إيمان مبكر جادت به العناية الإلهية، يلحق المعصوم قبل أن يأتي إلى هذا الوجود، إذ صنع على عين الله منذ الأزل، وسبقت له من الله الحسنى من قبل، فلا مجال المسبوقية المعاصي ولا معقوبيتها، لأن اليقين ملازم لهذه العصمة، - بل ملازم للمعصوم - ملازمة ذاتية لا تسمح بنفوذ مسببات ارتكاب المعاصي والأخطاء.
وهكذا تشمل هذه العصمة حياة المعصوم كلها لا تتقيد فيها بحال دون حال، ولا سن دون سن.. فالمعصوم معصوم منذ الأزل حتى الأجل.
ولقد رأينا نبي الله عيسى عليه السلام قد جعل وأوتي الحكم صبيا، وخاطب الناس وهو في حضن أمه. وهكذا الأنبياء جميعا، وهكذا أولو الأمر، إذ أنهم شركاؤهم في وجوب الطاعة الجازم، شركاؤهم في العلم الذي يرثون به الأنبياء، فهم العلماء وهم ورثة الأنبياء.
فالرسول صلى الله عليه وآله لما كان يؤدي الرسالة، ويقوم بهداية الناس على أساس هداية الوحي، عبر العصمة التي تؤمن أداء الوحي على النحو الذي أنزل به.. علم أن العلم اليقيني الشامل الذي يتمتع به العلماء من خلفاء الرسول وأولي الأمر يسد مسد الوحي في هداية الإمام، وهو بدوره يهيئ العصمة المطلوبة لمواصلة أداء الدور الرسالي على النحو الذي