الناس عن أذيتهم بهذا المعنى الساذج الذي اختاره ابن تيمية ضمنيا، وأذية أهل البيت لا يجب أن نفهمها مقتصرة على ما يمسهم بالذات في نفوسهم، ولا تنحصر بما يضر بأبدانهم فحسب، بل إن ما يؤذي أهل البيت أكثر، وبالمعنى الأبلغ، هو عدم اتباع الناس لهم، باعتبارهم يعلمون - كما علموا من النبي صلى الله عليه وآله - إنهم سفينة نجاة الأمة إذا اتبعوهم، وبهم هدايتهم إذا اقتفوا آثارهم، وسيصيب الناس الضلال إذا ما خالفوهم.
فأهل البيت كالنبي صلى الله عليه وآله في حرصهم على نجاة الناس وهدايتهم، وكالنبي صلى الله عليه وآله في رأفتهم بالمؤمنين ورحمتهم بهم.. ولهذا، فهم يألمون إذا خالفهم الناس، ويتأذون إذا لم يتبعوهم، وهذه أكبر أذية لهم من الناس.
فاسمع كيف يتألم العترة علي عليه السلام من مخالفة القوم له، وهو يتعجب من ذلك أشد العجب: " فيا عجبي! وما لي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها؟! لا يقتصون أثر نبي، ولا يقتدون بعمل وصي " (1).
ونحن نعلم أن مفارقة الناس ومخالفتهم لأهل البيت يؤلم العترة بلا ريب. ولما فهم من قوله: " أذكركم الله في أهل بيتي " وجوب تجنب إيذائهم ونهي النبي صلى الله عليه وآله الناس من إيلامهم تحتم إذا اتباعهم، لأن المخالفة تؤذيهم بلا شك، وإيذاؤهم ممنوع بالنصوص، فإنه لا يمكن أن تفرح الزهراء بمخالفة الناس لأمير المؤمنين علي عليه السلام، بل يشتد غضبها، وغضبها غضب النبي صلى الله عليه وآله، وغضبه غضب الله بلا ريب.. فلا حل لهذا إلا الاتباع الصادق لعترة النبي صلى الله عليه وآله.
ونسأل شيخ الوهابية وأتباعه: ماذا أراد النبي صلى الله عليه وآله أن يكتب للناس عندما قال لهم: " هلم - أو قربوا - أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده "؟!
لو كان النبي صلى الله عليه وآله آمرا باتباع القرآن وحده فلم أخرج الناس من حجرته غاضبا لما قالوا: عندنا القرآن، حسبنا كتاب الله.. وقال لهم قوموا؟! فماذا أراد أن يكتب لهم في ذلك الوقت؟
بالتأكيد لم يكن النبي الكريم يريد كتابة وتدوين السنة، فهو إن لم يكتبها لهم في