إدراك هذا الأمر، فأدركه أبو بكر وفهمه عمر ومعاوية؟! وفطن إليه بنو أمية وبنو العباس؟! وهل الأمر الذي صدر به الوحي موجبا طاعة أولي الأمر لم يكن النبي صلى الله عليه وآله يرى أنه يوجب عليه تنصيب خليفة ووليا لأمر الناس؟! أم كان يرى أن الله يكلف الناس فوق طاقتهم، فيوقعهم بعد نبيهم في الاختلاف والتنازع والفتن؟!
لقد ثبت، بما لا يدع مجالا للريب، أن النبي صلى الله عليه وآله ما كان يخرج من المدينة لغزوة إلا ويعين عليها شخصا خليفة له ريثما يعود.. فهل كان يرى أهمية الوالي على المسلمين في غيابه القصير في حياته، ولم يكن يرى له أهمية في غيابه الطويل بعد وفاته؟!!
فما هذا القول؟! وأي عقل سليم يحكم بذلك؟! وأي حكمة يمكن لمسها فيه؟! وأي مصلحة تعود للمسلمين من فعل كهذا؟! وهل له نتيجة غير الخلاف والنزاع والخصام، كما حدث في سقيفة بني ساعدة... فاضطر ذلك العلماء للزج بأنفسهم في تبرير لا يسمن ولا يغني من جوع؟!
وكما وضح لك أن عدالة كل الصحابة بقضهم وقضيضهم لا تصح، لانحراف البعض عن سواء السبيل، وارتكاب بعضهم ما حرم الله تعالى، ولهذا لا يمكن أن يوصي النبي صلى الله عليه وآله باتباع أي كان من الصحابة للنجاة والسلامة من الاختلاف والانحراف، ذلك لأن أمرا كهذا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وآله - بل إلى الوحي - فيه تجويز لارتكاب الأخطاء وفتح الطريق إلى النزاع والاختلاف.
إن اختلاف الصحابة فيما بينهم أمر معلوم، وقتل بعضهم بعضا مسألة تعج بها صفحات التاريخ، وانحراف الكثير منهم عن الحق تثبته كتب السير والأخبار (1).
ثم إننا علمنا أنه كان في زمان النبي صلى الله عليه وآله بعض المنافقين، علمت أحوالهم وخصالهم ووضح نفاقهم للمسلمين، ولكن كان هناك أيضا منافقون لم يعلم عنهم شئ ولم يعرف نفاقهم، ولم تنكشف أحوالهم وقد أخبر الله تعالى نبيه الكريم بذلك في قوله تعالى:
(وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن