النبي صلى الله عليه وآله لم يكن يرى في أبي بكر خليفة له من بعده. بل أراد النبي صلى الله عليه وآله بأمره أبا بكر وعمر بالذهاب في هذا الجيش تحت إمرة أسامة أن يتحقق غيابهما عن المدينة، فيكون قد أراد النبي صلى الله عليه وآله بذلك إبعاد أبي بكر وعمر عن أعتاب الخلافة ببيعة علي في غيابهما.
ولهذا كان الطعن في تأمير أسامة، وكان التثاقل عن إمضاء الأمر النبوي حتى توفي النبي صلى الله عليه وآله، فأحكمت السقيفة وهدد علي عليه السلام بالقتل، كما رأيت.
إذا، فالنبي صلى الله عليه وآله بأمره أبا بكر بالذهاب في هذا الجيش قد أراد إبعاده عن المدينة، لأنه لو كان هو الخليفة من بعده لأبقاه إلى جانبه واحتفظ به في المدينة. بيد أنه أراد بتأمير الشاب أسامة على هذا الجيش وبأن يكون أبو بكر الشيخ تحت إمرته، أن يقطع الحجة على من يقول - معارضا خلافة الإمام علي - بأنه صغير السن أو استصغره قومه، كما قال عمر لابن عباس!
قال عمر لابن عباس مرة: " يا ابن عباس، ما أظنهم منعهم عنه إلا أنه استصغره قومه!
قال ابن عباس: والله، ما استصغره الله ورسوله حين أمراه أن يأخذ " براءة " من صاحبك " (1).
إن النبي صلى الله عليه وآله كان يعلم بما يجول في نفوس القوم، ولهذا أراد بتأمير أسامة عليهم قطع الحجة وإبطال ادعائهم بصغر سن الإمام علي عليه السلام بالنسبة إلى الخلافة، ذلك أن تأمير أسامة عليهم - وهو في ذلك العمر - هو تمهيد من النبي الكريم صلى الله عليه وآله لخلافة علي بن أبي طالب عليه السلام، ورغم ذلك فقد استصغره قومه، كما رأيت من قول عمر لابن عباس!
على أن النبي صلى الله عليه وآله لم يأمر علي بن أبي طالب عليه السلام بالذهاب في هذا الجيش، كما هو بين لا ارتياب فيه.. فلأي شئ احتفظ النبي صلى الله عليه وآله بالإمام علي عليه السلام إلى جانبه؟ ألم يكن الخليفة أولى بهذا المقام؟
وقد يقول قائل: إن النبي صلى الله عليه وآله إلا ليغسله بعد موته.
نعم، إذ ليس في ذلك شك، وقد أوصاه النبي صلى الله عليه وآله بذلك.
روى ابن سعد عن علي عليه السلام قال: " أوصى النبي [صلى الله عليه وآله] أن لا يغسله أحد غيري " (2).