ثم يوضح أن هذا النوع من الإلقاء هو غير الوحي المخصوص بالأنبياء بقوله: (لقد ثبت في الأبحاث النفسية أن كل إنسان له ساعة أو ساعات في حياته قد يعلم فيها ببعض الأشياء عن طريق الحدس الذي هو فرع من الإلهام، بسبب ما أودع الله تعالى فيه من قوة على ذلك. وهذه القوة تختلف شدة وضعفا " وزيادة ونقيصة في البشر باختلاف أفرادهم، فيظفر ذهن الإنسان في تلك الساعة إلى المعرفة من دون أن يحتاج إلى التفكير، وترتيب المقدمات، والبراهين أو تلقين المعلمين، ويجد كل إنسان من نفسه ذلك في فرص كثيرة في حياته، وإذا كان الأمر كذلك فيجوز أن يبلغ الإنسان من قوته الإلهامية أعلى الدرجات وأكملها، وهذا أمر قرره الفلاسفة المتقدمون والمتأخرون) - إلى أن يقول: (والأئمة عليه السلام كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنهم لم يتربوا على أحد، ولم يتعلموا على يد معلم، من مبدأ طفولتهم إلى سن الرشد، حتى القراءة والكتابة، ولم يثبت عن أحدهم إنه دخل الكتاتيب أو تتلمذ على يد أستاذ في شئ من الأشياء، مع ما لهم من منزلة علمية لا تجارى، وما سئلوا عن شئ أجابوا عنه في وقته، ولم تمر على ألسنتهم (لا أدري). في حين إنك لا تجد شخصا " من فقهاء الإسلام ورواته وعلمائه إلا ذكرت في ترجمته تربيته وتلمذته وأخذه الرواية على غيره، وتوقفه في بعض المسائل أو شكه في كثير من المعلومات كعادة البشر في كل عصر ومصر) (1).
بقي أن نذكر أن هذه المؤهلات هي مما يخص الأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليه السلام المنصوص على خلافتهم حسب اعتقاد الشيعة. وأما في عصر غيبة الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عليه السلام، فإنه لا يشترط فيمن ينوب عنه (وهم في هذه الحالة: الفقهاء العدول) العصمة، وهؤلاء النواب، هم كسائر البشر يجدون ويجتهدون في تحصيل العلم، فيصيبون ويخطئون.