وإن كان هناك أي نوع من الصحبة من الممكن التحدث بها، فإن أبا هريرة نفسه سببها بقوله: (كنت ألزم النبي لشبع بطني، حتى لا آكل الخمير ولا ألبس الحرير، ولا يخدمني فلان ولا فلانة، وألصق بطني بالحصباء وأستقرئ الرجل الآية وهي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وخير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شئ فنشتقها فنلعق ما فيها) (1). وقد عبر أبو هريرة عن تقديره لجعفر بن أبي طالب بقوله: (ما احتذى النعال ولا ركب المطايا ولا ركب الكور بعد رسول الله أفضل من جعفر بن أبي طالب) (2).
وبالنظر إلى الغاية التي كان أبو هريرة يلازم من أجلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كان من الطبيعي أن يميل إلى مناصرة الأمويين ضد معسكر الإمام علي عليه السلام لما وجده عندهم مما يناسب ميوله وشغفه من الطعام حتى أن كل من الجزار بسر بن أرطأة ومروان بن الحكم قد أناباه على ولاية المدينة، فتغيرت أحواله من حال إلى حال. ولقد روي عن أيوب بن محمد أنه قال: (كنا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشقان من كتان، فتمخط فقال: بخ بخ أبو هريرة يتمخط في الكتاب؟ لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى حجرة عائشة مغشيا " علي، فيجئ الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون وما بي جنون، ما بي إلا الجوع) (3).
وكان مما قاله أبو هريرة في تقديره لفضائل معاوية عليه: (سمعت رسول الله يقول: إن الله أئتمن على وحيه ثلاثة: أنا وجبريل ومعاوية) (4).