ويتفق جميع من تطرق إلى هذه المسألة أن الدوافع السياسية كانت أخطر أسباب ظهور ظاهرة الوضع، ولكنه من غير المقبول أن يرمى هذا الإثم - كما يزعم بعضهم - على فئة معينة من المسلمين دون غيرها، وتبرئة الجيل الأول منه براءة تامة وكأنهم كانوا من المعصومين الذين يستحيل عليهم الكذب والخطيئة. فهذا عبد الفتاح أبو غدة على سبيل المثال يعزي ظهور وضع الحديث إلى الظروف التي رافقت مقتل عثمان حيث (ذرت الفتن قرنها، وبدأت الأهواء تأخذ إلى النفوس الضعيفة طريقها، وظهر في تصرف بعض الناس الذين لم يخطوا بصحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومشاهدته ألوان من التعصب، ودبت الخلافات والتفرقة في الصفوف، وقامت الفرق والمبتدعة بالتحزب والتأويل) (1).
فهل أن العصر الذي سبق مقتل عثمان وهو عصر الصحابة كان بريئا " من هذه الآفة؟
وهل أن من طال به العمر من الصحابة بعد مقتل عثمان لا يحتمل عليه الكذب والوضع؟
وما بيناه من شواهد سابقة فيه إجابة كافية على هذا التساؤل، فمخالفة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقول والعمل، أثناء حياته وبعده، وسبهم لبعضهم بعضا، بل وتهديدهم لبعضهم بالقتل، وظهور النزعات القبلية بينهم، وسل السيوف في وجوه بعضهم بعضهم في الجمل وصفين، وما تبع ذلك كله من مآسي فيه ما يفند ذلك الزعم.
ومن أمثلة ضلوع المهاجرين والأنصار بوضع الحديث هو رواية كل منهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يشير إلى علو منزلتهم وخصهم ببعض الامتيازات، فكما أنهم وضعوا الأحاديث في فضل المهاجرين والقرشيين كالذي روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الناس تبع لقريش، وأن هذا الأمر فيهم ما بقي