وهذه الحالة الجاهلية التي عاشها المسلمون في عهود معاوية ويزيد والمروانيين قد امتدت في الحقيقة لتشعل عهود بقية الخلفاء الأمويين ومن جاء بعدهم من الملوك والسلاطين الذين تسنموا منصب الخلافة الإسلامية على مر تاريخها.
ويحلو لبعضهم الدفاع عن هؤلاء الخلفاء بسبب تحقيقهم لفتوحات واسعة في الشرق والغرب ونشر الإسلام في هذه المناطق. ولكننا نسأل: ماذا كان هدف هؤلاء الملوك والسلاطين من تلك الفتوحات؟ فباستثناء القلة القليلة منها لا سيما في بدايتها، فإن الفتوحات كانت تعني عند أولئك الحكام مجرد وسيلة لتوسيع وقعة الملك وتكثير الخراج. وكانت غاياتهم هذه تتضح من حالة البذخ والإسراف في اللهو والملذات التي كانوا يعيشونها، وما ظهر من تأثير ذلك في نشر القيم الفاسدة والمنحرفة بين عامة المسلمين.
وحتى ذلك الخليفة - على سبيل المثال - الذي قيل أنه كان يحج عاما " ويغزو عاما "، كان (بيوت الحريم) بقصوره العديدة ما لا يقل عن 2000 ألفي جارية جمعها من مختلف أقاليم إمبراطوريته الواسعة، فلو أريد من تلك الفتوحات وجه الله وما يعني ذلك من ضرورة نشر العدالة والقيم الإسلامية، لكان الأولى بالخلفاء أنفسهم أن يجسدوا تلك المعاني والقيم في سلوكهم، وكيف يكون ذلك، وقد كان كثير منهم لا يتوانى عن قتل أبيه أو أخيه من أجل الوصول إلى سدة الحكم. فالرشيد مثلا " لم يكتف بقتل أخيه الخليفة السابق، بل قام أيضا " بحبس الإمام موسى بن جعفر (الكاظم) المستحق الحقيقي لمنصب الخلافة!؟ بل أنه سجن أيضا " أبا حنيفة النعمان، وهو أحد أئمة المذاهب الأربعة لمجرد تعاطفه مع أهل البيت عليه السلام ورفضه استلام منصب القضاء في عهده.
ويعلق الشهيد سيد قطب بشأن تلك الفتوحات وما جرى على الإسلام على يد خلفاء المسلمين بقوله: (لقد كان انتصار معاوية هو أكبر كارثة دهمت