ولما علم الإمام بما حصل في دومة الجندل بين الحكمين، أصبح في حل من وثيقة التحكيم، وقرر استئناف القتال ضد متمردي الشام، فأرسل إلى الخوارج: (أما بعد، فإن هذين الرجلين اللذين ارتضيناهما حكمين قد خالفا كتاب الله واتبعا هواهما بغير هدى من الله، فإذا بلغكم كتابي هذا فاقبلوا، فإنا سائرون إلى عدونا وعدوكم، ونحن على الأمر الأول الذي كنا عليه والسلام).
فكتبوا إليه: (أما بعد، فإنك لم تغضب لربك، وإنما غضبت لنفسك، فإن شهدت على نفسك بالكفر، واستقبلت التوبة، نظرنا فيما بيننا وبينك، وإلا فقد نبذناك على سواء، إن الله لا يحب الخائنين). فلما قرأ الإمام كتابهم أيس منهم، ورأى أن يتركهم ويمضي بجيشه حتى يلقى أهل الشام (1).
ولكن الخوارج أخذوا يعترضون الناس في الطرقات، ويفعلون بهم الأفعال المنكرة، كنهب من يخالفهم والتشنيع بجثته، فاضطر الإمام أن يغير وجهة سيره، ومواجهة هذه العصابة المنشقة المفسدة في الأرض أولا ". فسار إليهم بجيشه ووعظهم أولا "، ودعاهم إلى العودة والتوبة، ولكنهم أصروا على تشددهم وعنادهم، فقاتلهم الإمام وألحق بهم شر هزيمة. ويروي المسعودي في (مروج الذهب) أنه قتل من أصحاب علي يوم النهروان تسعة نفر، ولم يفلت من الخوارج إلا عشرة بعد أن كان عددهم عند بدء القتال أربعة آلاف (2).
وبعد أن انتهى الإمام من الخوارج، أراد أن يواصل سيره من النهروان نحو الشام، ولكن غالبية أفراد جيشه أبوا عليه ذلك، متذرعين بالقول: (يا أمير المؤمنين، نفذت نبالنا وكلت أذرعنا وتقطعت سيوفنا ونصلت أسنة رماحنا، فارجع بنا نحسن عدتنا). وكان الإمام يدرك كل هذه الضرورات، ولكنه كان يدرك أيضا " أن معنويات جيشه في تنازل، سيفضلون الراحة، في