طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب، لله أبوهم! وهل أحد منهم أشد لها مراسا "، وأقدم فيها مقاما " مني! لقد نهضت فيهم وما بلغت العشرين، وها أنا ذا قد ذرفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع) (1).
وصدق من قال إن الإمام علي عليا " عليه السلام عاش في غير زمانه، فكل من يتأمل أقوال الإمام وما صارت إليه الأحداث، يتقين أن الإمام وصل إلى ما وصل إليه نبي الله نوح عليه السلام عندما: (قال رب إني دعوت قومي ليلا " ونهارا "، فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ") [نوح / 5 - 6]. وأن استمرار وجوده بينهم لا يزيده إلا آلاما " وقهرا "، وكأن الإمام في هذه الأحوال قد انتهت مهمته على وجه الأرض، وحانت ساعة الرحيل عن هذه الدنيا.
وهكذا كان، ففي غضون تلك الأيام كان نفر من الخوارج يجتمعون في مكة ويخططون لقتل الإمام. ويروي المؤرخون هذه القصة كما يلي: حج ناس من الخوارج سنة 39 ه، وقد اختلف عامل علي وعامل معاوية فيمن يحج بالناس، فاصطلح الناس على ثالث هو شبيب بن عثمان، فلما انقضى الموسم أقام النفر من الخوارج مجاورين بمكة، فقالوا: كان هذا البيت معظما " في الجاهلية، جليل الشأن في الإسلام، وقد انتهك هؤلاء حرمته، فلو أن قوما " منا شروا أنفسهم لله فقتلوا هذين الرجلين (علي ومعاوية) اللذين قد أفسدا في الأرض، واستحلا حرمة هذا البيت، استراحت الأمة واختار الناس لهم إماما "، فقال عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنة الله: أنا أكفيكم أمر علي، وقال الحجاج بن عبد الله الصريمي وهو البرك: أنا أقتل معاوية، فقال عمرو بن بكر: والله ما عمرو بن العاص بدونهما، فأنا به. فتعاقدوا على ذلك، ثم اعتمروا عمرة رجب، واتفقوا على يوم واحدة يكون فيها وقوع القتل منهم في علي ومعاوية وعمرو (2).