وبعد هذا الحديث الموجز عن المنطقة نسير خطوة جديدة لنتحدث عن سكانها من أقدم العصور المعروفة، فلنعد إلى الألف الثالث قبل الميلاد لنرى أفواجا من القبائل العربية تهاجر من شبه الجزيرة العربية إلى الشمال تحت ضغط القحط وقسوة الصحراء، ويقول Charles Foster Kent (1) إن الفينيقيين كانوا أسبق هذه الجماعات المهاجرة، وقد وجدوا على شاطئ البحر المتوسط مستقرا لهم فأقاموا به، وكان مقرهم شريطا ساحليا ضيقا يحده البحر من الغرب وتعزله السلاسل الجليلة بالشرق عن باقي المنطقة، ومن هنا اتجه هؤلاء إلى البحر فركبوه واتصلوا عن طريقة بدول كثيرة عن طريق التجارة، وسرعان ما أصبح هؤلاء جنسا شهيرا في سيادته التجارية عبر البحار، ثم امتد نشاطهم فأصبحوا حملة الحضارة بين دول العالم القديم.
وإلى الجنوب من الفينيقيين نزلت قبائل عربية أخرى أشهرها قبائل الكنعانيين حوالي سنة 2500 ق م واستقرت على ضفة الأردن الغربية منسابة نحو البحر المتوسط وسميت هذه المنطقة باسمهم فأصبحت تدعى (أرض كنعان) وهو الاسم الذي يكثر وروده في التوراة. وحوالي سنة 1200 ق م نزلت بالساحل المطل على البحر الأبيض جماعات من جزيرة كريت (اقريطش) وكانت هذه الجماعات أو القبائل تسمى قبائل فلستين، وقد نزلت بين يافا وغزة، واختلط الكنعانيون بالقبائل الوافدة من كريت، وتم بين هؤلاء وأولئك مزيج غلب عليه الدم العربي واللغة السامية من جانب، والاسم الوافد من كريت من جانب آخر، فأصبحت هذه البلاد تعرف بفلسطين (2).
وفي الشمال الشرف لنهر الأردن كانت تعيش قبائل الآراميين الوافدة من حوض الفرات بعد أن ازدحمت سهول دجلة والفرات بالوافدين من