وهناك آية أخرى فيها وعد وفيها قوة يجدر بنا أن نوردها هنا، وهي قوله تعالى: " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " (1).
ولا شك أن الدليل النقلي له احترامه وإجلاله عند المؤمنين، ولكنا نريد مع هذا أن نستدل به بطريق آخر، فقد سبق أن تحدثنا عن محمد، وعن الأدلة التي أثبتت نبوته، ووضحنا أن منها الملموس المحسوس الذي لا يتطرق إليه شك عند المنصفين، كأن يأتي وهو رجل أمي بهذه النظم الخالدة في الميراث والزواج والطلاق والسياسة والاقتصاد وغيرها، وكأن يقول: إني آخر الأنبياء، ثم تمر القرون تلو القرون دون أن يجئ نبي بعده، فإذا صدقنا دعوة محمد بعد هذا البحث وتلك الدراسة، وآمنا أن محمد رسول الله بلا شك، كان على العاقل - فيما أرى - أن يؤمن بما جاء به محمد ما اتضح له وما لم يتضح، ما دام قد آمن بصدق محمد، فإذا قصر فكره عن فهم الإسراء والمعراج مثلا فليؤمن بهذه الحادثة إيمان يقين، تصديق لمحمد الذي آمن برسالته بعد تمحيص وبحث، وإذا قصر فكره عن سبب ركعات الصلوات، فليقبل ذلك قبول إيمان من الرسول الذي صدق به واعتنق الدعوة التي جاء بها، وإذا قصر فكره وخياله عن واهب الوجود الفرد الصمد، وفليؤمن به إيمان يقين لأن القرآن المعجز تحدث عنه، ولأن محمدا الذي صدقناه والذي هو أكثر منا صفاء وأسمى مكانة حدثنا عنه وعلمنا جلاله وجبروته، والاعتراف بالله أسمى ما جاء به الأنبياء.
أما إذا ظل الإنسان بعد إيمانه يبحث في مواضع الشبه، وكان عقله قاصرا عن فهمها، فإنه يوشك أن يزل، وهذا يسبب لعقيدته الاهتزاز لتعرضها لأحداث أسمى من مستواه.