نتيجة الثغرات التي أوجدتها الريبة والشك فيما لم يستطع العقل قبوله، وما لم يطمئن إليه الضمير لحظة الظهر الوجداني، فكان لتلك النداءات حظ من الانصات الذي أعقبه التفكير في الأديان السابقة على ديني، فكنت كالمستجير من الرمضاء بالنار، إذ وجدت بعد التمحيص أن أغلال ديني أخف وطأة من قيود من سبقه من أديان الطغيان الكهنوتي والكنسي.
وبعد أن أكملت دراستي - دون أن أصيب ما بحثت عنه - تحولت إلى البحث في الدين الإسلامي، وفي هذه المرة لم تكن بغيتي الفرار من ديني، ولكن كان قصدي من البحث في الإسلام استخراج العيوب، وتلمس الأخطاء، والوقوف على المتناقضات التي أوحى إلي بها أساتذتي وأهلي، ولكني لم أكد أطرق الباب وأمسك بأول الخيط حتى دخلت باب المقارنة بين ذلك الدين وما سبقه من أديان، ولم أخرج من تلك المقارنة إلا وقد استولى علي سحر الحقيقة الناصعة، والمبادئ الوضاءة والتعاليم الصريحة، التي لا اعوجاج فيها ولا التواء، ولا سلطان لكاهن ولا طغيان لأحبار.
وجدت لكل سؤال جوابا، ووجدت فصل الخطاب فيما لم يستطعه دين سابق، سواء كان وضعيا، أو مبدأ من المبادئ الفلسفية، أو منحدرا من الأديان السماوية، وقولي منحدرا يرجع إلى أن رجال الدين خرجوا بالأديان السماوية عما جاءت من أجله، ولقد وجدت أن ما زعموه في الإسلام عيوبا هو في الحقيقة مزايا، وما ظنوه متناقضات هي حكم فصلت لأولي الألباب، وأن ما عابوه على الإسلام كان علاجا للبشرية التي طالما تردت في بيداء الظلمات حتى أخرجها الإسلام إلى النور، فأخذ الإسلام بلبي وقبض على لبابتي (عقلي)، ومن واضح أحكامه ونور تعاليمه وصدق رسالته حملت على الإيمان به