والإجابة عن هذا السؤال سهلة يسيرة أشرنا إلى بعضها فيما سبق وسنذكر فيما يلي موجزا شاملا لها.
1 - الدفاع عن النفس: يقرر التاريخ أن المسلمين قبل الهجرة لم يؤذن لهم بقتال، وقد ضرب عمار وبلال وياسر وضرب محمد وأبو بكر، ومات ياسر تحت العذاب، ولم يرفع هؤلاء أيديهم لرد الاعتداء الذي وقع عليهم. ولكن المشركين أسرفوا في عدوانهم، ووصلوا إلى حد اتخاذ قرار بقتل محمد. ووضعوا خطتهم على أن ينفذوا قرارهم قبل أن يهاجر إلى المدينة حتى تتخلص الجزيرة العربية من الإسلام والمسلمين. فكان من الضروري أن يدافع المسلمون عن أنفسهم، وقد أذن الله لهم بالدفاع بقوله: " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله " (1).
ويتضح من الآية للذي يمعن النظر أن الإسلام لا يحب القتال، فالفعل (أذن) مبني للمجهول، وفاعله عندما كان مبنيا للمعلوم هو الله سبحانه وتعالى، وقد بني الفعل للمجهول لأن الله لم يرد - فيما أفهم - أن يذكر اسمه الكريم متصلا بالإذن بالقتال. ثم إن نائب الفاعل محذوف تقديره:
(القتال) أي أذن لهم القتال، ولم يذكر نائب الفاعل أيضا لأنه كلمة (القتال)، وبدل نائب الفاعل ذكر سبب الإذن وهو (بأنهم ظلموا) وقد دعا هذا بعض المسلمين أن يقولوا عندما نزلت هذه الآية: إنها لا تكفي لنقاتل المشركين، لأن روحها تميل إلى السلم ولو أن ألفاظها تأذن بالقتال. ولم يبدأ القتال الحقيقي بين المسلمين وغيرهم إلا بعد أن نزلت آية أخرى: هي " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (2) " ومع أن الإذن هنا صريح إلا أنه مشروط بحالة الدفاع، وعدم الاعتداء، فالاعتداء يسبب سخط الله.