استعدادهم للتضحية بمتع الحياة ظانين أن في ذلك ما يقربهم إلى الله، فقال أحدهم: إني لا آكل اللحم أبدا. وقال آخر: وأنا لا أتزوج النساء أبدا.
وقال ثالث: وأنا أقوم الليل ولا أنام على فراش. فلما عرف الرسول ذلك خرج وصاح فيهم: ما بال قوم يقولون كذا وكذا، والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم، ولكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وآكل اللحم، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني.
وروي عنه قوله: ليس في ديني ترك النساء اللحم ولا اتخاذ الصوامع.
ويروى أن عمر بن الخطاب نظر إلى رجل مظهر للنسك متماوت، فخفقه بالدرة، وقال: لا تمت علينا ديننا أماتك الله (1).
ومما سبق ندرك أن الإسلام لا يعرف الرهبانية، وإنما هو دين اعتقاد وعمل وعبادة، وللعمل وقته وللعبادة وقتها، وقد فصل الله هذا الاتجاه في قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله (2) " ومن أجل هذا يرى الباحثون المسلمون أن العمل عبادة، وأن الله يثيب عليه لأنه أمر به، ففأس الزارع، ومبرد الصانع، ولسان المعلم، وقلم الكاتب وعين المدبر، ومثيلاتها، مصدر ثواب ورحمة لأصحابها، وينمو ذلك الثواب كلما نما إخلاص المرء، وكلما راقب الله في حسن أداء ما وكل إليه من عمل.