تربويا للعطاء الرسالي في الناس وإنما هي عمل (يصل) فيه الصوفي إلى الله ويبلغ به الكمال. ولذلك فهو يحولها من معهد تدخل إليه الذاتية لكي تتهذب إلى معهد تدخل إليه الذاتية لكي تطمئن بأنها اكتملت.
وهذه الجناية الصوفية على الحياة أكبر من سابقتها. فكم من فرق بين من يفرغ من صلاته وهو يشعر أنه استوعب درسا وبقي عليه التطبيق، وبين من يفرغ من صلاته وهو يشعر أنه بلغ الغاية وعاش الوصل مع الله والرفرفة في أنواره وجناته.
والذي يزيد في ضلال الصوفي وفي جنايته على صلاته أنه بفعل الايحاء الذاتي والتركيز الذهني والنفسي يجد الأنوار والعوالم التي يفترضها ويعيش فيها فعلا، وحينما يتم له شئ من ذلك يعتقد جازما أنه بلغ درجة عظيمة، وخاصة حينما يمنحه شيخ الطريقة أو العارف بالله رتبة أو لقبا!
حدثنا ذات مرة (الأستاذ العارف بالله) عن العوالم النورانية التي يتجلى الله فيها لبعض عباده العارفين في أثناء صلواتهم ومناجاتهم، وحثنا على الطموح إلى هذه التجليات، وأوصى بتفريغ القلب حال الصلاة أو المناجاة من أي شئ إلا من (الله). وما راعني في يوم لاحق إلا أن وجدت نفسي أرتفع من مكاني في مسجد الكوفة وأرى مشهدا ممتدا من الربوات المغمورة بأفق من الأنوار الخاصة! لقد كنت في يقظة تامة جالسا أتلو دعاء من كتاب وقد أحسست بأبي خرجت من جسدي وعبرت سور المسجد ورفرفت في الأنوار فوق الربوات ثم عدت رويدا إلى جسدي وهبطت فيه من الأعلى فإذا الكتاب لا زال بيدي، وتابعت تلاوة الدعاء!
طبعا كان ذلك فوزا عظيما تقبلت فيه التهنئة وأصبحت بسببه من الداخلين في طريق (المكاشفة) ولم أكتشف إلا فيما بعد أن رؤيتي كانت نتيجة الايحاء الذاتي والتركيز الشديد على المشهد الذي شوقنا إليه الأستاذ وأني عند ما كنت (أناجي الله) كان قلبي فارغا من كل شئ إلا من التركيز على ما أريد من ربوات وأنوار. وأن هذه (المكاشفة) يمكن أن يصل إليها أي إنسان وحتى الهندي المشرك بالله وبأي وسيلة حتى بطريقة (اليوغا) أو بالنفخ بالبوق.