أما مساحة هذه المشاعر فهي الصلاة جميعا إذ تدعوك إلى الوقوف أمام الله الحاضر عز وجل وتستمر في إشعارك به وبهداه إلى ختامها.
وأبرز الفقرات التي تعطي شعور الارتباط هذا: سورة الحمد، وخضوع الركوع والسجود، والتشهد.
فالنصف الأول من سورة الحمد يقرر لمن الامتنان على العطاء الذي يزخر به الكون، كما يقرر طبيعة العلاقة الملحة بين الوجود المرحوم وبين الله الراحم. وفي النصف الثاني تتكلم أنت مع الله الحاضر سبحانه معلنا طاعته ومستعينا إياه في حركة حياتك ومستهديا صراطه القائم الذي سار به المرسل والمؤمنون مستعيذا من طريق المنحرفين الذين يسيرون فعلا في طريق الغضب والضلال.
وفي خضوع الركوع والسجود تشعر بنفسك ذرة متواضعة من الكون تخضع أمام منشئها ومعطيها العظيم الأعلى عز وجل.
وفي التشهد تفصح بالإقرار بالله سبحانه متصرفا وحيدا في الكون وبرسوله محمد صلى الله عليه وآله مبلغا خاتما لرسله ورسالاته.
إنه ليس أبلغ من الصلاة في الانتقال بالإنسان من الإيمان التاريخي الجامد إلى الإيمان الفعلي المتحرك. وإن التأمل المجرد عن الصلاة مهما بلغ من القوة في استكشاف وجود الله سبحانه وجودا حاضرا يقوم به الكون واستكشاف وجود رسله وجودا حاضرا يدعونا إلى الهدى مهما بلغ التأمل من تقرير هذه الحقائق والبرهنة عليها فإنه لا يستطيع أن يقدمها إليك بقوتها وجدتها كما تقدمها الصلاة. ذلك أن الصلاة تعمل فعلي مع الله عز وجل وانسلاك فعلي في خط رسالته فهي أقدر على تقديم شعور الارتباط الفعلي به عز اسمه ارتباطا مطلقا من ألف وجودك إلى أحرفه الخالدة.
ويا لسعادة الإنسان وروعة الوجود في عينيه حينما يعيش شعور الارتباط الفعلي بالله والإنسلاك الفعلي في خط رسله ورسالته ويمتد ذلك من صلاته إلى جوانب حياته. ويا لروعة الأمة التي تعيش هذا الشعور وتعمل بمستلزماته في الأرض.