فمن أهم المعطيات النفسية للصلاة: شعور الإسلام لله أو العبودية له عز وجل. وبعض النفوس تأنف من صفة العبودية لله متأثرة بنزعة التمرد الحديثة!
وكأن باستطاعة الإنسان أن يتعامى عن قدره وأن لا يكون عبدا مخلوقا، وكأن من مصلحته أن يتمرد على العبودية الجميلة النافعة ويتمرغ في عبوديات مغلقة مهينة!
إن الصلاة تفتح العقل الإنساني على موقعه الذي يجب أن ينتظم فيه وينسجم معه وتبعث فيه مشاعر الأصالة والحرية كلما أمعن في الشعور بالعبودية لله سبحانه وعاش حقيقة الإسلام لإرادة الله وشريعته عز وجل.
أما السند المنطقي لهذا الشعور فهو أن الإنسان مخلوق من قبل الله، وممون بالحياة من لدنه، وموجه إلى خيره، وسعادته بهداه، فمن البدائة المطلقة أن يخضع لقدرته عز وجل ولأياديه وتوجيهه. إننا نعيش في كون بكله عبد الله آخذ منه وجوده واستمراره وسائر بعطائه إلى كماله، وإن حظ أحدنا إنما هو بانسجامه مع طبيعة الوجود المخلوق وإمعانه في الشعور بالحاجة والتزود بطاقة الهدى، وليس في محاولة التمرد الغبية الضارة.
وأما مساحة هذا الشعور فهي الصلاة كلها، بل إن شعور المصلي بالعبودية يبدأ من حين نهوضه إلى الصلاة مستجيبا لأمر المولى عز اسمه ثم يزداد بالوقوف للصلاة فالتلاوة فالركوع حتى يبلغ قمته في السجود.
وأما طبيعة هذا الشعور فهي المزيج من المتانة والمسؤولية. المتانة في الموقع حينما يعي الإنسان أنه عبد لرب الكون سبحانه مكرم منه عزيز عليه عامل لخير وجوده بهداه. وأي شئ يعطي متانة الموقع في الوجود كالشعور بالعبودية لصاحب الوجود جميعا؟ والمسؤولية المشفقة من تبعات العبودية التي هي تبعات الوفاء بتكليف الله لنا أن نستقيم وأن نحذر مغبة الانحراف والعصيان.
وأما آثار هذا الشعور فهي كثيرة عميقة في حياتنا أفرادا وأمة. إنه لا شك في أن حاجة المجتمع البشري إلى حفنة من العبودة أشد من حاجته إلى أطنان من القنابل والخمور. فلو عاش حكام الأرض شيئا من هذا الشعور