لارتفع من ظلمهم عن إخوانهم عباد الله بمقدار نسبة هذا الشعور الجميل إلى مشاعرهم الرديئة، ولو امتلك ضعفاء الأرض شيئا من هذا الشعور لارتفع من ظلاماتهم بمقدار نسبة هذا الشعور إلى مشاعرهم الخانعة.
وأما السبيل إلى استفادة شعور العبودية من صلاتك فيكفي أن تسأل نفسك عند الصلاة: أمر من ألبي في نهوضي إلى الصلاة؟ وبين يدي من أقف؟
وبأمر من أتلو؟ لثم لمن أخضع راكعا، ولمن أخر إلى الأرض ساجدا على الجبين؟
إنه يكفي أن تكون واعيا لعملك جادا فيه حتى تمتلئ من صلاتك بشعور العبودية والإسلام لله عز وجل، ثم لتعيش عديدا من مشاعر الثقة والإشفاق تنعكس من حياتك على صلاتك ومن صلاتك في حياتك.
ومن أهم المعطيات النفسية لصلاة: شعور الارتباط الفعلي بالله ورسوله ورسالته.
فمن الانحرافات السائدة في العقيدة أن يتصور الناس أن وجود الله سبحانه وإرساله الرسل وتنزيله الدين قضايا تاريخية وليست فعلية.
يتضورون أن الله سبحانه كان وجودا فعليا ظاهرا حينما خلق الكون وأرسل الرسل، أما الآن فهو وجود غائب! فهم يؤمنون به عز وجل إلها خالقا ولكنهم يكفرون به ربا ومعطيا، ويؤمنون به بادئا ويكفرون به ممونا لما بدأ. أوهم يغفلون عن هذه الحقيقة. وكذلك الأمر في تصورهم للرسل والرسالة فكأنهما مسألة تخص مرحلة من التاريخ وفوجا من الناس.!
أما الصلاة فهي تقضي على هذا الانحراف وتثبت المفهوم الإسلامي عن الله سبحانه وعن رسله ودينه فتفتح عقل الإنسان وقلبه على وجود الله وجودا فعليا قيوما على الكون ترتبط به ذراته وأحياؤه وظواهره وقوانينه ارتباطا فعليا مطلقا، كما تفتح عقل الإنسان وقلبه على الدين الإلهي طريقة عيش فعلية قرنها الله بقانون الاختيار، ولا زال هذا القانون قائما يؤتي ثماره في الناس حتى يبلغ فيهم هدفه. وبهذه الحقائق تبعث الصلاة في النفس أعمق مشاعر الارتباط الفعلي بالله تعالى ورسله ورسالته.