فهل من سبيل إلى التغلب على هذه المشكلة والحفاظ على التطابق بين درجة التصديق التي تمليها المبررات الموضوعية وبين الدرجة التي يتخذها التصديق في أنفسنا؟ هل باستطاعتنا أن نمنع العامل الذاتي من التدخل والعبث صعودا وهبوطا في درجات تصديقنا بالقضايا أو الحقائق؟
أما أصحاب المذهب الذاتي في المعرفة فلا يرد عليهم مثل هذا السؤال، لأن العامل الذاتي في رأيهم سبب في كل اعتقاد بما في ذلك اعتقادهم بمذهبهم هذا طبعا.
لكن كلامنا على أساس المذهب الذي يؤمن بالقيمة الموضوعية للمعرفة والذي يتبناه الإسلام.
يقوم الإسلام بعلاج المشكلة من جانبين:
الأول: إشاعة الطريقة العقلية في الناس.. حتى تكون هي الأسلوب العام السائد في تفكير الناس وحياتهم. ومن هذا الجانب فإن الإسلام بذاته دعوة تعتمد العقل في إقناع الناس، وتطلب أعمال العقل في فهم الكون، وإقامة الحياة الاجتماعية على الأسس العقلية.
ولم تعرف الحياة البشرية كالإسلام مبدءا اعتمد العقل في أصول التفكير الإنساني وتفاصيله، وأشاع ذلك في أمته وغيرها من الأمم، ورسخ ذلك في حياة مجتمعه وأجياله حتى أصبح الطابع العقلي واحدا من أبرز معالم الثقافة الإسلامية والحضارة الإسلامية.
والثاني: الدعوة إلى تصحيح السلوك باعتباره عاملا في تكوين وتكثيف الميول التي هي العامل الذاتي، أو في تخفيف هذه الميول الذاتية وإزالتها.
قال الله تعالى: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).
وفي الحديث الشريف: " ما من شئ أفسد للقلب من خطيئته. إن القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله ".
الكافي ج 2 ص 268.