والصلاة تريد للإنسان أن يتربى في نشاطه اليومي على الاستقامة في خط الإسلام وأن يحس بأنه يتصرف على مرأى ومسمع من الله عز وجل. وأسلوب التقرير أقرب شبها بهذا النشاط اليومي المطلوب فهو أنفع في التربية عليه. أما أسلوب التكلم مع الله سبحانه فهو مادة تربوية من غير نوع النشاط اليومي.
بعبارة ثانية: أن أسلوب الخطاب يربي الإنسان على أن ينضبط ويستقيم في تكلمه مع الله عز وجل، أما أسلوب التقرير فهو يربي الإنسان على أن ينضبط ويستقيم مع نفسه على مرأى ومسمع من الله عز وجل وهذا اللون من التربية أبعد أثرا في حياتنا اليومية.
من أجل ما تقدم نجد أن الصلاة تفرق بين التربية على التقديس وبين التربية على الطلب، ففي التربية الإنسان على تقديس الله سبحانه تستعمل أسلوب التقرير بضمير الغائب، وفي التربية على الطلب من الله عز وجل تستعمل أسلوب التكلم والخطاب. ولما كانت التربية على التقديس (التوعية على الله والوجود وصلة الله بالوجد) هي الغرض الأكثر في الصلاة والتربية على الطلب هي الأقل كان الطابع العام لتلاوتها أسلوب التقرير بضمير الغائب.
ثم أن أسلوب التقرير المتبع في الصلاة ليس أسلوبا متمحضا في (الغيبة) فهو من ناحية تقرير على عين الله وبين يديه، ومن ناحية إخبار يتضمن ويستبطن الانشاء كما عرفت. وهذان العنصران يجعلانه لونا خاصا من الكلام مزيجا الغيبة والخطاب والإخبار والإنشاء، وهذا في اعتقادي من معاجز الصلاة. فكأن الله عز وجل يقدم لنا بهذا الأسلوب نموذجا رفيعا للنشاط الإنساني الواعي ويدعونا لأن نجعل نشاطنا اليومي تحركا على عينه وموجها إليه عز وجل مع الالتفات الكامل إلى أنفسنا وموقعنا في هذا التحرك.
وأخيرا لا أدري هل وفيت في التمييز بين الأسلوبين اللذين تعتمدهما تلاوات الصلاة..
إن أسلوبي الغيبة والخطاب في الصلاة ماهما إلا جزئين من أسلوبي الغيبة