والأصل الثاني: أنه لا بد في التشريع الإسلامي أن يكون ميسرا لظروف الناس ومستوياتهم جميعا، لأنه تشريع لهم جميعا.
وبموجب هذين الأصلين الغرض التربوي والكلفة الأقل اللذين هما من طبيعة المنطلق التشريعي في الإسلام، نجد أن التكلم مع الله عز وجل ليس بحد ذاته هدفا للتشريع الإسلامي، وإنما أسلوب تربوي يتبع حيث يكون أكثر عطاءا ويسرا على العباد. أما إذا كان أكثر كلفة وأقل عطاء فإن الله عز وجل لا يتردد في اختيار الأسلوب البديل، وكذلك فعل عز وجل في الصلاة فاختار لها أسلوب التقرير المعين وجعله الطابع العام لها دون أسلوب التكلم المباشر.
لا أريد التقليل من الأهمية التربوية التي نفيدها من التكلم مع الله عز وجل. بل أريد التمييز بين هذين الأسلوبين اللذين تتألف منهما الصلاة:
أسلوب التقرير بضمير الغيبة الذي جعله الله الطابع العام للصلاة، وأسلوب التكلم بضمير الخطاب الذي انحصر في موردين في تلاوات الصلاة الواجبة.
فمن ناحية نجد أن خطاب الحضور مع الله عز وجل يستلزم جهدا ذهنيا أكثر من خطاب الغيبة، فلا ننسى أن الوجود الإلهي مهما كانت درجة وضوحه في عقل الإنسان إلا أنه وجود غائب عن حواسه السائدة بل حتى عن حاسة الخيال الشاسعة. ولذا فإن من الصعوبة بمكان أن تكون صلاة الناس كلها تكلما مع الله عز وجل. بينما أسلوب تقرير الحقائق عن الله والوجود مع النفس على عين الله أكثر يسرا.
ومن ناحية أخرى فإن الصلاة تهدف أن يتربى الإنسان على تقديس الله وتحميده وتوحيده سبحانه. وهذا التربي يفي به أسلوب التقرير أكثر مما يفي به أسلوب التكلم لأن أسلوب التكلم يجعل المقدس المعظم مخاطبا لك، أما أسلوب التقرير فيجعلك تقرر هذه الأوصاف لمقدس عظيم وكأنك تجله عن المخاطبة. وأسلوب التكلم قد يومئ بأن لك نصيبا في تقديس الله عز وجل، لأنك تقوم بإنشاء هذا التقديس. أما أسلوب التقرير فيجعلك تعترف بالتقدس حقيقة كونية ثابتة لا بد لك في إثباتها ولا في نفيها، ولا لأي مخلوق.