إن هذه الأسطر التي قدمتها لك لا تفي بالكشف عن روعة الأذان، وإنما تفتح لك الباب إلى الملاحظة والاستيعاب. فالحق أن الأذان سواء في صياغته التعبيرية، أم في إيقاعه وإيحائه النفسي، أم في تسلسله مع العقل وانسيابه في الروح لوحة فنية لا تشبهها إلا سورة من القرآن. والحق أن فكرة الأذان فكرة أن ينادي بهذه المفاهيم وهذا التعبير على أسماع الناس والطبيعة فكرة معجزة كإعجاز الأذان وككل تشريعات الإسلام.
إن الأذان تشريع من تشريع الله وشعيرة من شعائره أراد عز وجل أن ينطبع بها المجتمع الإسلامي، أراد أن يعلو هذا النداء الخالد مرات كل يوم فيلف بصداه العذب معالم المدينة والقرية والسهل والجبل. أن تنطلق هذه الدعوة في كل فترة لتهيب بالناس أن يكونوا على مستوى الإسلام لله وأن لا يعوقهم عن الوقفة الغنية بين يديه عائق من عمل أن تقاعس.
أنت في المجتمع المؤذن صديق حميم لنداء " الله أكبر " ينساب في ضميرك مع تنفس الصباح ليبعثك من رقدتك على دفئه ونداه وحنانه. ثم يعاودك في الظهيرة لتنهي عملك على بركته ثم يعاودك باطمئنان مع سكون المساء.
ومن مؤذنين متنوعين وفي بلاد مختلفة يوافيك. فإذا هو النداء الخالد والصديق الحميم يهب النبرات واللهجات عذوبة الإيمان، ويجسد في الأمكنة والأزمنة وحدة قضية الإيمان وتعالي رايتها.
صوت حميم أنى ذهبت في بلاد الله يعطي ليومك روعة اليقظة وجمال الاستراحة والعودة، يعطي للطبيعة من حولك نفحة الإيمان فتتجاوب مع أمواجه.
ما ضر هذه البشرية الضالة لو تجاوبت مع نعمة الأذان الثرية، مع هذا العطاء الإلهي، ففتحت عليها قلوبها مع تفتح الطبيعة وأنهت عليها أعمالها واستقبلت بها المغيب.
أذلك خير أم مواد الإعلام التي تحاول أن تعطيه سمات معينة فلا تعطيه إلا سمة العبادة للصغائر والغباء عن الخالق الأكبر وعن كل ما هو أكبر في ضمير الإنسان وضمير الحياة.؟