وثراء الإنسان الفكري، ألم يكن يدفعه إلى البحث عن حقل لأفكاره.
وأنس الإنسان بالإنسان وميله إلى مزج نفسه بأنفس الآخرين.
واستطردنا نحشد الأمثلة من أفكار الإنسان وعواطفه نفند بها افتراض صديقنا أقنعناه بأنه اجتماعي بطبيعته وأن الحياة الأصيلة للإنسان والحيوان والطيور هي الحياة ضمن الجماعة والأسراب.
إن لحياة الإنسان الاجتماعية (الحياة ضمن الجماعة) منبعين اثنين وليس منبعا واحدا. فمنبع من حاجاته المعيشية، ومنبع وراء ذلك من إنسانية الإنسان وعمق نفسه، وكذلك اتسقت في تقدير الله عز وجل حاجة الفرد البشري للجماعة في معيشته مع حاجته لهم في إنسانية.
الحاجات المعيشية بسبب كثرتها وتنوعها تقول للإنسان: إنك لا تستطيع أن توفرني إلا عن طريق الخباز ومعمل الطحين والفلاح ومصنع الآلات الزراعية والبناء والنجار والنساج والسائق. وعشرات ومئات الناس الذين يسهمون في إقامة حياتك وتسهم من جانبك في إقامة حياتهم.
وإنسانية الإنسان بدورها تقول له.
تقول له ألوان الحب التي يحملها في أعماقه: ابحث لي عمن أحب، عن صاحب خلق كريم، وعن شجاع نبيل، وعن زوجة وفيد، وعن أولاد، وعن إنسان كامل الإنسانية. ابحث في عمن آنس به وآلفه وأسكن إليه وأفيض عليه من روحي ويقبض علي من روحه.
وتقول له ألوان الأفكار والمشاعر: ابحث في عن مستقر، عن فكر أعبر إليه وشعور أتسرب فيه، عن أفكار أتكامل بالتفاعل معها ومشاعر أتكامل بالامتزاج فيها.
وتقول له نزعته لخدمة الآخرين. ويقول له حنانه إلى أبناء جنسه وميله إلى عنصره. وتقول له أعماقه بكلها. أنا لا أستطيع العيش إلا في واحة البشر.