إن إنسانية الإنسان كدر الأم ينبع من دمها ويفيض في صدرها مطالبا بالوليد الرضيع فإن هو لم يجد رضيعه لم يؤد دوره ولم يبلغ هدفه وارتد على الأم ألما وضيقا. وكذلك النفس البشرية تفيض بالرغبة في الامتزاج بالجماعة فإن هي لم تجد الأنفس التي تكتمل بالتفاعل الإنساني معها لم تبلغ تكاملها وارتدت على صاحبها ضمورا وألما وضيقا.
الذين يختصرون حياة الإنسان بالبحث عن الخبر هم أغبياء. حقا كم من باحث في الناس عن الرغيف حتى إذا وجده استقر واطمأن. ولكنه بنفس الوقت باحث عن نفس بشرية يمتزج بها حتى إذا وجدها استقر واطمأن.
وها نحن نشاهد إنسان الحضارة القائمة حينما أشبع بطنه الرغيف وأشبع فرجه الجنس وأعرض عن إشباع إنسانيته العميقة كيف تحولت إنسانيته إلى بركان يتفجر في داخله ويمزقه!.
لقد تحملت الحضارة الكافرة ظلم الفطرة الإنسانية فما كانت إلا أن ثارت الفطرة المكبوتة عن طريق ردات فعل غريبة. فمن انتحار يتضاعف بسبب الشعور بالوحدة، إلى مجتمعات البتلز والهيبيين، إلى ردات التدين واستحداث الطرق الدينية، إلى الاسراف في المسكرات والمخدرات، إلى التعقيد النفسي المتفاقم. ردات تلتقي في الكفر بالحضارة القائمة، الحضارة التي أشبعت الإنسان الخبز والجنس ولكنها أفقدته الترابط الفكري والعاطفي حتى في أسرته، أفقدته تكامل إنسانيته من خلال الجماعة. الحضارة التي صيرت الناس كتلا بشرية هائلة ولكنها قطعت من بينهم كل وشائج الشعور والفكر (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى).
أما الإسلام المنهج الرباني الخبير بحاجات النفس البشرية فإنه لم يعط الإنسان خبز جسده حتى أعطاه خبز إنسانيته. فبذلك معا يكون الإنسان إنسانا في رأي الإسلام.
والنظرية الاجتماعية في الإسلام موضوع دراسة مستقلة أو دراسات.
فالإسلام لون حضاري متميز، وله نظريته المستقلة في الأسس، والتشريعات،