بهذه الصيغة الخالدة يفتتح الأذان، أربع مرات فينهل العقل والشعور من عطائها وينطلق في أبعادها ولا يمل.
ثم تأتي الشهادة لله ولرسوله.
والشهادة في الأساس إقرار يؤخذ من الشاهد أمام قاض في محكمة، ولكنها بلاغة الإسلام نقلتها من جلسة في محكمة إلى وقفة مفتوحة أمام الناس والأشياء وجعلت الوجود كله محكمة يدلي المؤذن بشهادته على أسماعه، ويدعوه إلى تسجيلها وتصديقها.
ومن بلاغة صيغة الشهادة أنها تنصب على أفراد الله عز وجل في الألوهية ونفيها عن سواه فكأن المسألة ليست ألوهية الله عز وجل بمقدار ما هي توحيد الله، وكأن أشهد أن لا إله إلا الله علم يرفعه المؤذن خفاقا باسم الخالق الواحد والمالك الواحد والحاكم الواحد تبارك وتعالى ثم يعقبه بالشهادة لمحمد صلى الله عليه وآله بأنه رسول الإله الواحد ومبعوثه للبشر. وكفى بكلمة رسول تعبيرا ميسرا بليغا عن مهمة النبي صلى الله عليه وآله.
وكما تؤدى الشهادة في المحكمة من قبل شاهدين، تتكرر من المؤذن مرتين.
ثم تأتي الدعوة إلى الصلاة بأسلوب جديد قلما يستعمل في الدعوة إلى مهمة. إذ تنتقى لها كلمة (حي) المعبرة النشيطة الندية وكأنها تثير الشهامة الإنسانية إلى مهمة شريفة، وتتكرر الدعوة ثلاث مرات: إلى الصلاة باسمها المجرد الخاشع المتفتح ثم إلى الصلاة بصفتها الفلاح والفوز برضا الرب تبارك وتعالى، ثم إلى الصلاة خير العمل وباعثة الروح في ضمير الإنسان وأعماله.
وحيث أن الدعوة إلى الصلاة قد تلاقي صعوبة في النفس فإذا بالتكبير يأتي بعدها مرة أخرى لينشط النفس من عقال ويدعوها إلى إجابة الأكبر تعالى، ثم يختم الأذان بوحدانية الله عز وجل ليس بصيغة الشهادة بل بصيغة التقرير لحقيقة ثابتة في ذاتها ولحقيقة أديت بها الشهادة فدونت. وإذا بالأذان يختم بكلمة (الله) كما فتح بكلمة (الله).