إن الأذان، هذه السمة البليغة التي أرادها الله أن تتجاوب في أرجاء الحياة، لم يزل بنفس القوة وبنفس الثراء الذي جنت منه الأمة في فجرها حينما عاشته في ضميرها وهتفت به في معاركها ورفعته من مآذنها. ولا بد مجددا أن تنفتح له الأسماع ويأخذ طريقه إلى القلوب والحياة. فبذلك وعد الله عز وجل صاحب الوجود وصاحب مشروع الإسلام في المجتمع البشري.
يقول (ادوارد وليام لين) صاحب كتاب) (أحوال المحدثين وعاداتهم): (إن أصوات الأذان أخاذة جدا ولا سيما في هدأة الليل).
ويقول (جيراردي نرفال) في كتابه (سياحة بالمشرق):
إنني لأول مرة سمعت فيها صوت المؤذن الرخيم الناصع خار مني شعور من الشجو لا يوصف وسألت الترجمان: ماذا يقول هذا الهاتف؟ فقال: إنه ينادي أن لا إله إلا الله. قلت: فماذا يقول بعد هذا؟ فقال: إنه يدعو النيام قائلا: يا من ينام توكل على الحي الذي لا ينام.
ويقول الكاتب المتصوف (لافكاد يوهيرون):
(إن السائح الذي يهجع لأول مرة بين جدران مدينة شرقية، وعلى مقربة من إحدى المنائر، قلما تفوته خشعة الفوائد لذلك الجمال الوقور الذي ينبعث به) دعاء المسلمين إلى الصلاة. وهو لا شك يستوعب في قلبه إذا كان قد هيأ نفسه للرحلة بالقراءة كل كلمة من كلمات تلك الدعوة المقدسة، ويتبين مقاطعها وأجزاءها في نفحات المؤذن الرنانة، حيثما أرسل الفجر ضياءه المورد في سماء مصر أو سورية وفاض بها على النجوم، وإنه ليسمع هذا الصوت أربع مرات أخرى قبل أن يعود إلى المشرق ضياء الصباح. يسمعه تحت وهج الظهيرة اللامعة، ويسمعه قيل غياب الشمس والمغرب يتألق بألوان القرمز والنضار، ويسمعه عقب ذلك حين تنسرب هذه الألوان الزاهية في صبغة مزدوجة من البرتقال والزمرد ثم يسمعه آخر الأمر حين تومض من