القصاع وأكل الناس جميعا حتى شبعوا وطربوا وغمرهم السرور وأشرقت السعادة في القلوب، فما في مكة رجل ولا امرأة ولا شاب ولا فتاة إلا شارك بهذه المناسبة العزيزة، وبلغ الفرح مداه فأي حديث أعظم في نظرهم من هذا الحديث، إذا لم تسعد مكة بهذا الزواج فبأي زواج غيره تسعد، وبأية مناسبة غيرها تطرب وتفرح وتلعب؟
ومضت الحياة بالزوجين الكريمين هانئة سعيدة طيبة، ووجد محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خديجة عطف الزوجة وحنانها وبرها ووفاءها، فكانت له نعم الزوج مودة ورحمة، وكان لها خير الأزواج عطفا وحنانا، ولقد ملأ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عليها الدنيا وأحست بالسعادة تملأ البيت وتفيض على قلبها ونفسها.
وقد كانت تعلم أنها تزوجت رجلا ليس كسائر رجال مكة، بل لا مثيل له ولا مشابه في الجزيرة العربية كلها، إنه رجل لا يأنس إلى خمر ولا يلجأ إلى جوار صنم ولا ينتظم به مجلس ميسر ولا تستخف بعقله مباهج الحياة وإغراءاتها التي جذبت أكثر أبناء مكة من رجال ونساء.
وجدت خديجة نفسها أمام شخصية فذة محت ما علق بذهنها من خيال، إن ذكرت الأخلاق وما يتحلى به الرجال من صفات فإن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بلغ أعلى درجات الكمال الإنساني، وإن ذكرت الرجولة والحكمة فليس في الوجود من هو أملك لها من زوجها، لقد وجدت فيه من آيات الرجال وصفاتهم ما لم تر فيمن عرفت، بل ما لم تسمع بمثله أبدا عند أحد من