ثم قال: وزعم على رؤوس الناس ما قد سمعت: إني كنت شرطت لقوم شروطا ووعدتهم عدات ومنيتهم أماني إرادة إطفاء نار الحرب ومداراة لهذه الفتنة إذ جمع الله لنا كلمتنا وألفتنا، فإن كل ما هنالك تحت قدمي هاتين. ووالله ما عني بذلك إلا نقض ما بينك وبينه، فأعد الحرب جذعة وأذن لي أشخص إلى الكوفة فأخرج عامله منها وأظهر فيها خلعه وأنبذ إليه على سواء، إن الله لا يهدي كيد الخائنين.
ثم سكت، فتكلم كل من حضر مجلسه بمثل مقالته، وكلهم يقول: ابعث سليمان ابن صرد وابعثنا معه، ثم ألحقنا إذا علمت أنا قد أشخصنا عامله وأظهرنا خلعه.
فتكلم الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنكم شيعتنا وأهل مودتنا ومن نعرفه بالنصيحة والصحبة والاستقامة لنا، وقد فهمت ما ذكرتم، ولو كنت بالحزم في أمر الدنيا وللدنيا أعمل وأنصب ما كان معاوية بأبأس مني بأسا وأشد شكيمة، ولكان رأيي غير ما رأيتم، ولكني أشهد الله وإياكم فاتقوا الله وارضوا بقضاء الله وسلموا الأمر لله، والزموا بيوتكم وكفوا أيديكم حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر، مع أن أبي كان يحدثني أن معاوية سيلي الأمر، فوالله لسرنا إليه بالجبال والشجر ما شككت أنه سيظهر، إن الله لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه. وأما قولك (يا مذل المؤمنين) فوالله لئن تذلوا وتعافوا أحب إلي من أن تفروا وتقتلوا، فإن رد الله علينا حقنا في عافية قبلنا وسألنا الله العون على أمره، وإن صرفه عنا رضينا وسألنا الله أن يبارك في صرفه عنا، فليكن كل رجل منكم حلسا من أحلاس بيته ما دام معاوية حيا، فإن يهلك ونحن وأنتم أحياء سألنا الله العزيمة على رشدنا والمعونة على أمرنا وأن لا يكلنا إلى أنفسنا فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. (الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1 ج 260 - 262).