شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٢٦ - الصفحة ٣٢٩
فضائل الإمام الحسن عليه السلام ميلاده عليه السلام ذكر جماعة من أعلام العامة كيفية ولادته وتاريخها في كتبهم (1):
(١) قال الفاضل المعاصر محمد رضا أمين مكتبة جامعة فؤاد الأول سابقا في كتابه (الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم) (ص ١٣ ط دار الكتب العلمية - بيروت):
الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، سبط النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول أولاد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيدة نساء العالمين. وهو سيد شباب أهل الجنة وريحانة النبي صلى الله عليه وسلم وشبيهه.
سماه رسول الله (الحسن) وعق عنه يوم سابعه (ذبح شاة) وحلق شعره وأمر أن يتصدق بزنة شعره فضة. وهو خامس أهل الكساء (المجد والشرف).
ولد الحسن في النصف من شهر رمضانبالمدينة المنورة سنة ثلاث من الهجرة.
قالت أم الفضل [وهي: أم الفضل لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية. أول امرأة أسلمت بعد خديجة بمكة وهي زوجالعباس بن عبد المطلب يقال لها لبابة الكبرى، أخت ميمونة زوج رسول الله وخالة خالد بن الوليد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها ويقيل عندها وكانت من المنجبات ولدت للعباس ستة رجال، أحدهم القثم]:
يا رسول الله رأيت كأن عضوا من أعضائك في بيتي. قال: رأيت خيرا. تلد فاطمة غلاما فترضعيه بلبن قثم. فولدت الحسن فأرضعته بلبن قثم (ابنها).
تسميته بالحسن:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لما ولد الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني). ما سميتموه. قلت سميته (حربا) قال: بل هو (حسن). فلما ولد الحسين سميناه حربا. قال: بل هو (حسين) فلما ولد الثالث، جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني ما سميتموه. قلت سميته حربا. قال هو محسن. ثم قال سميتهم بأسماء ولد هارون (شبر وشبير ومشبر) وتوفي محسن صغيرا.
قال أبو أحمد العسكري: سماه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن وكناه (أبا محمد) ولم يكن يعرف هذا الاسم في الجاهلية.
صفته رضي الله عنه:
كان الحسن أبيض، مشربا بحمرة، أدعج العينين، سهل الخدين، كث اللحية، وكان يخضب بالوسمة.
أخلاقه وفضائله رضي الله عنه:
كان الحسن حليما، كريما، ورعا، ذا سكينة ووقار وحشمة، جوادا، ممدوحا، ميالا للسلم، يكره الفتن وإراقة الدماء، ما سمعت منه كلمة فحش قط، إلا أنه كان كثير الزواج، مطلاقا للنساء، ولا يفارق امرأة إلا وهي تحبه، وكان أبوه رضي الله عنه يأخذ عليه كثرة الطلاق ويخشى عواقبها حتى قال: (يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق) فقال رجل من همدان: (والله لنزوجنه فمن رضي أمسك ومن كره طلق).
وكان الحسن لا يشارب في دعوى ولا يدخل في مراء ولا يدلي بحجة حتى لا يرى قاضيا.
كان يقول ما يفعل، ويفعل ما لا يقول، تفضلا وتكرما، كان لا يغفل عن إخوانه، ولا يتخصص بشئ دونهم. لا يلوم أحدا فيما يقع العذر في مثله. إذا ابتدأه أمران لا يدري أيهما أقرب إلى الحق نظر فيما هو أقرب إلى هواء فخالفه. وكان قاضيه قاضي أبيه، وكذلك كاتبه، ولم يكن له حاجب.
كرمه رضي الله عنه:
سأله رجل صدقة ولم يكن عنده ما يسد به رمقه فاستحى أن يرده. فقال له: ألا أدلك على شئ يحصل لك منه البر؟ قال: بلى، فما هو؟ قال: اذهب إلى الخليفة فإن ابنته توفيت وانقطع عليها وما سمع من أحد تعزية. فعزه بقولك له: (الحمد لله الذي سترها بجلوسك على قبرها ولا هتكها بجلوسها على قبرك). فذهب الرجل وفعل ما قال له. فذهب عن الخليفة حزنه وأمر له بجائزة وقال له: أكلامك هذا؟ قال: لا، بل كلام فلان. قال: صدقت فإنه معدن الكلام الفصيح، وأمر له بجائزة أخرى. ا ه.
إن من يلوذ بأهل البيت، لا يرد خائبا بل ينال ما يريد وفوق ما يريد. فإنهم منبع الكرم والجود والاحسان. قد كان في استطاعة الحسن أن يعتذر لمن سأله بأن ليس لديه شئ يعطيه ويكون عذره وقتئذ مقبولا. لكنه التمس له طريقة يفرج بها كرب السائل فأشار عليه بما تقدم، فنال ما نال، فانظر الفرق الشاسع بين بخل الأغنياء الذين يدعون الفاقة والعوز وينتحلون ألف عذر إذا قصدهم فقير أو محتاج قد ضاقت أمامه السبل، ولا يشفقون على حاله وهم يكنزون المال. وبعضهم يتظاهر بالصلاح والطيبة، ولا ينفق شيئا لمحتاج لشدة محبته للمال، فهو شديد الحرص شديد التقتير لا يبالي عاش الناس أم ماتوا جوعا. وقد ضرب لنا الحسن رضي الله عنه وغيره من أهل البيت والصالحين أمثالا في الكرم والجود ونكران الذات نحتذي حذوها ونقتدي بها. لكنا قد تركناها وتغاضينا عنها. فكره الناس بعضهم بعضا، وامتلأت قلوبهم حقدا وحسدا.
وسمع الحسن رضي الله عنه رجلا يسأل ربه أن يرزقه عشرة آلاف درهم فانصرف الحسن إلى منزله وبعث بها إليه.
وسأله رجل وشكا إليه حاله، فدعا الحسن وكيله وجعل يحاسبه على نفقاته ومقبوضاته حتى استقصاها. فقال: هات الفاضل. فأحضر خمسين ألف درهم. ثم قال: ماذا فعلت بالخمسمائة دينار التي معك؟ قال: عندي، قال: فأحضرها. فلما أحضرها دفع الدراهم والدنانير إلى الرجل واعتذر منه!
وقيل للحسن رضي الله عنه: لأي شئ نراك لا ترد سائلا وإن كنت على فاقة؟ فقال: إني لله سائل وفيه راغب، وأنا أستحي أن أكون سائلا وأرد سائلا، وإن الله تعالى عودني عادة.
عودني أن يفيض نعمه علي، وعودته أن أفيض على الناس. فأخشى إن قطعت العادة أن يمنعني العادة، وأنشد يقول:
إذا ما أتاني سائل قلت مرحبا * بمن فضله فرض علي معجل ومن فضله فضل على كل فاضل * وأفضل أيام الفتى حين يسأل وخرج الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم حجاجا. فلما كانوا ببعض الطريق جاعوا وعطشوا وقد فاتتهم أثقالهم. فنظروا إلى خباء فقصدوه فإذا فيه عجوز، فقالوا: هل من شراب؟ فقالت: نعم. فأناخوا بها وليس عندها إلا شويهة. فقالت احلبوها واشربوا لبنها. ففعلوا ذلك. فقالوا لها: هل من طعام؟ قالت هذه الشويهة. ما عندي غيرها، فأنا أقسم عليكم بالله إلا ما ذبحها أحدكم حتى أهئ لكم الحطب فاشووها وكلوا، ففعلوا ذلك. وأقاموا عندها حتى أبردوا. فلما ارتحلوا من عندها، قالوا لها: يا هذه! نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه فإذا رجعنا سالمين، فألمي بنا فإنا صانعون بك خيرا إن شاء الله تعالى.
ثم ارتحلوا. وأقبل زوجها فأخبرته الخبر فغضب وقال: ويحك! تذبحين شاتنا لقوم لا نعرفهم ثم تقولين نفر من قريش!!
ثم بعد دهر طويل أصابت المرأة وزوجها السنة فاضطرتهم الحاجة إلى دخول المدينة فدخلا يلتقطان البعر فمرت العجوز في بعض سكك المدينة ومعها مكتلها تلتقط فيه البعر، والحسن رضي الله عنه جالس على باب داره. فنظر إليها فعرفها فناداها وقال لها: يا أمة الله، هل تعرفيني؟ فقالت: لا. فقال: أنا أحد ضيوفك يوم كذا، سنة كذا في المنزل الفلاني.
فقالت: بأبي أنت وأمي، لست أعرفك. قال: فإن لم تعرفيني، فأنا أعرفك. فأمر غلامه فاشترى لها من غنم الصدقة ألف شاة وأعطاها ألف دينار وبعث بها مع غلامه إلى أخيه الحسين رضي الله عنه. فلما دخل بها الغلام على أخيه الحسين عرفها وقال: بكم وصلها أخي الحسن؟ فأخبره فأمر لها بمثل ذلك. ثم بعث بها مع الغلام إلى عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما. فلما دخلت عليه عرفها وأخبره الغلام بما فعل معها الحسن والحسين رضي الله عنهما. فقال: والله لو بدأت بي لأتعبتهما وأمر لها بألفي شاة وألفي دينار. فرجعت وهي أغنى الناس.
ومن كرمه رضي الله عنه: أنه أعطى شاعرا مالا كثيرا فقيل له: أتعطي شاعرا يعصي الرحمن ويقول البهتان؟ فقال: إن خير ما بذلت من مالك ما وقيت به عرضك، وإن من ابتغاء الخير اتقاء الشر.
وقد روي مثل ذلك عن الحسين رضي الله عنه. وقيل إن شاعرا مدحه فأجزل ثوابه. فليم على ذلك، فقال: أتراني خفت أن يقول: لست ابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ابن علي رضي الله عنه فيصدق ويحمل عنه ويبقى مخلدا في الكتب، محفوظا على ألسنة الرواة! فقال الشاعر: أنت والله يا ابن رسول الله أعرف بالمدح والذم مني.
تربيته ومحبة رسول الله له:
لما كان الحسن والحسين رضي الله عنهما ابني بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوهما علي بن أبي طالب ابن عم الرسول وربيبه، فقد تربيا تربية عالية ونشئا على الفاضل