يمكن ان تكون المادة مخلوقة للوعي البشري، الذي هو متأخر بدوره عن وجود كائنات عضوية حية ذات جهاز عصبي ممركز، فكأنه افترض مقدما ان المثالية تسلم بوجود المادة العضوية، فشاد على ذلك استدلاله، ولكن هذا الافتراض لا مبرر له، لأن المادة بمختلف ألوانها وأقسامها - من العضوية وغيرها - ليست في المفهوم المثالي الا صورا ذهنية، نخلقها في إدراكاتنا وتصوراتنا. فالاستدلال الذي يقدمه لنا (روجيه) ينطوي على مصادرة، وينطلق من نقطة لا تعترف بها المثالية.
ب - قال لينين:
((إذا أردنا طرح المسألة من وجهة النظر التي هي وحدها صحيحة - يعني من وجهة النظر الديالكتيكية المادية - ينبغي أن نتساءل هل الكهارب والأثير... الخ موجوده خارج الذهن البشري، وهل لها حقيقة موضوعية أم لا؟ عن هذا السؤال ينبغي ان يجيب علماء التاريخ الطبيعي. وهم يجيبون دائما ودون تردد بالايجاب، نظرا لأنهم لا يترددون بالتسليم بوجود الطبيعة وجودا أسبق من وجود الانسان، وجود المادة العضوية)) (1).
ونلاحظ في هذا النص نفس المصادر التي استعملها (روجيه)، مع التشدق بالعلم واعتباره الفاصل النهائي في المسألة. فما دام علم التاريخ الطبيعي قد أثبت وجود العالم قبل ظهور الشعور والادراك، فما على المثاليين الا ان يركعوا امام الحقائق العلمية ويأخذوا بها. ولكن علم التاريخ الطبيعي ما هو الا لون من ألوان الادراك البشري. والمثالية تنفي الواقع الموضوعي لكل ادراك مهما كان لونه، فليس العلم في مفهومها الا فكرا ذاتيا خالصا، أفليس العلم حصيلة التجارب المتنوعة؟ أو ليست هذه التجارب والاحساسات التجريبية هي موضع النقاش، الدائرة حول ما إذا كانت تملك واقعا موضوعيا أو لا؟ فكيف يكون للعلم كلمته الفاصلة في الموضوع؟