دم أراقه الإسلام أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم جريا على عادتهم في أمثال ذلك، إذ لم يكن بعد رسول الله (ص) في عشيرته أحد يستحق أن تعصب به تلك الدماء عند العرب غيره، لأنه الأمثل في عشيرته والأفضل في قبيلته، ولذلك تربصوا به الدوائر وقلبوا له الأمور وأضمروا له ولذريته كل حسيكة ووثبوا عليهم كل وثبة، وكان ما كان، مما طار في الأجواء وطبق رزؤه الأرض والسماء.
وأيضا فإن قريشا خاصة والعرب عامة كانت تنقم من علي شدة وطأته على أعداء الله ونكال وقعته فيمن يتعدى حدود الله أو يهتك حرماته عز وجل، وكانت ترهب من أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر. وتخشى عدله في الرعية ومساواته بين الناس في كل قضية، ولم يكن لها فيه مطمع ولا لأحد عنده هوادة، فالقوي العزيز عنده ضعيف ذليل حتى يأخذ منه الحق، والضعيف الذليل عنده قوي عزيز حتى يأخذ له بحقه، فمتى تخضع الأعراب لمثله (وهم أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله)، (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) وفيها بطانة لا يألونها خبالا.
على أن قريشا وسائر العرب كانوا يحسدونه على ما آتاه الله من فضله، حيث بلغ في علمه وعمله رتبة عند الله ورسوله تقاصر عنها الأقران وتراجع عنها الأكفاء، ونال من الله ورسوله بسوابقه وخصائصه منزلة تشرئب إليها أعناق الأماني وشأوا تنقطع دونه هوادي المطامع، وبذلك دبت عقارب الحسد له في قلوب المنافقين واجتمعت على نقض مجده كلمة الفاسقين والناكثين والقاسطين والمارقين، فاتخذوا النص ظهريا وكان لديهم نسيا منسيا.
وكان ما كان مما لست أذكره * فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر على أن قريشا وسائر العرب كانوا قد تشوفوا إلى تداول الخلافة بين