قائل: " إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون * تنزيل من رب العالمين " وقوله سبحانه وتعالى:
" ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى " إلى كثير من هذه الآيات المحكمة المنصوص فيها على عصمة قوله من الهجر (ص).
على أن العقل يستقل بذلك ويحكم جازما به كما لا يخفى على أولي الألباب، لكن القوم علموا أنه (ص) يريد توثيق العهد إلى علي بالخلافة وتأكيد النص بها عليه خاصة وعلى الأئمة من عترته عامة احتياطا على أمته ومبالغة في النصح لها واهتماما في شأن خلفائه بتسجيل عهده إليهم بالخلافة خطأ بعد أن أعلنه قولا وفعلا، فصدوه عن هذه المهمة بكلمتهم هذه، كما اعترف به الخليفة الثاني في كلام دار بينه وبين ابن عباس (23).
وأنت هداك الله إذا تأملت في قوله (ص): " ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده " وقوله في حديث الثقلين " إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي " تعلم أن المرمى في الحديثين واحد، وأنه (ص) إنما أراد في مرضه بأبي هو وأمي أن يكتب لهم تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين، وإنما عدل عن ذلك لأن كلمتهم التي فاجأوه بها اضطرته إلى العدول، إذ لم يبق بعدها أثر لكتابة الكتاب لاختلاف الأمة من بعده في أنه هجر فيما كتبه فيه (والعياذ بالله) أو لم يهجر، كما اختلفوا في ذلك فاختصموا وأكثروا اللغط نصب عينيه، فلم يتسن له يومئذ أكثر من طردهم من مجلسه، فقال: " قوموا عني " كما سمعت.