قبائلهم واشرأبت إلى ذلك أطماعهم، فأمضوا نياتهم عليه ووجهوا عزائمهم إليه، فتصافقوا على تناسي النص وعدم ذكره بالمرة، وتبايعوا على صرف الخلافة من أول أيامها عن وليها المنصوص عليه من نبيها، فجعلوها بالاختيار والانتخاب ليكون لكل حي من أحيائهم أمل في الوصول إليها ولو بعد حين ولو عملوا بالنص فقدموا عليا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لما خرجت الخلافة من عترته الطاهرة، حيث قرنها يوم الغدير وغيره بمحكم الكتاب وجعلها قدوة لأولي الألباب إلى يوم الحساب، وما كانت العرب لتصبر على حصر الخلافة في بيت محصوص بعد أن طمحت إليها الأبصار من كافة قبائلها وحامت عليها النفوس من جميع أحيائها.
وقد هزلت حتى بدا من هزالها * كلاها وحتى استامها كل مفلس ومن ألم بتاريخ قريش والعرب في صدر الإسلام يعلم أنهم لم يخضعوا للنبوة الهاشمية إلا بعد أن تهشموا ولم يبق فيهم من رمق، فكيف يرضون باجتماع النبوة والخلافة في بني هاشم وقد قال الخليفة الثاني لابن عباس في كلام دار بينهما: إن قريشا كرهت أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة فتجحفون على الناس.
والسلف الصالح لم يتسن له أن يقهرهم يومئذ على التعبد بالنص فرقا من انقلابهم إذا قاومهم وخشية من سوء عواقب الاختلاف في تلك الحال وقد ظهر النفاق بموت رسول الله صلى الله عليه وآله وقويت بفقده شوكة المنافقين وعتت نفوس الكافرين وتضعضعت أركان الدين وانخلعت قلوب المسلمين، حيث صاروا بعده كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية بين ذئاب كاسرة ووحوش ضارية، وقد ارتدت طوائف من العرب وهمت بالردة أخرى وعظم قلق السلف الصالح على الإسلام واشتد فرقهم على أمة سيد الأنام فصبروا على مخالفة النص بقيا على المسلمين واحتياطا على الدين - صبروا وفي أعينهم من ذلك قذى وفي حلوقهم منه شجى كما قالوا عليهم السلام - وأشفق علي أمير المؤمنين أن يظهر