وإن رحمته (ص) للعالمين ورأفته بالمؤمنين وإشفاقه على عشيرته الأقربين وخصوصا على أبي الفضل صنو أبيه والبقية من أهليه لمما هو غني عن البيان ومن ذا يجهل حرصه يومئذ على سلامتهم ورغبته التامة في بقائهم ليفوزوا بعد ذلك بخدمته، وكانوا في الواقع مؤمنين لكنهم لم يتمكنوا من الهجرة إليه فأكرهوا على الخروج كما نص عليه النبي (ص) فاقترح قتلهم والحال هذه أكبر شاهد على أنهم كانوا يؤثرون إرادتهم في مثل هذا المقام على التعبد بإرادته وأوامره عليه وآله الصلاة والسلام.
ولهم في أحد حالات تشهد بما قلناه، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد استقبل المدينة في هذه الغزوة وترك أحدا خلف ظهره وجعل الرماة وراءه وكانوا خمسين رجلا أمر عليهم عبد الله بن جبير رحمه الله وقال له (فيما نص عليه المؤرخون والمحدثون كافة) انضح عنا الخيل بالنبل لا يأتونا من خلفنا وأثبت (33) مكانك إن كانت لنا أو علينا، وحضهم على ذلك بما لا مزيد عليه وشدد عليهم الأمر في طاعة أميرهم عبد الله - لكنهم (وا أسفاه) لم يتعبدوا يومئذ بأوامره ونواهيه (ص) ترجيحا لآرائهم عليها، وذلك حيث حمي الوطيس واشتد بأس المسلمين بسطوة حيدرة الكرار على فيالق المشركين وصولته على أصحاب لوائهم وهم ثمانية من بني عبد الدار، كانوا أسود الوقائع وأحلاس الخيل وتاسعهم عبدهم صواب كان من طينتهم وعلى شاكلتهم فقتلهم أمير المؤمنين (34) واحدا بعد واحد وبقي لواؤهم مطروحا على الأرض لا يدنو منه