وكان بعضهم ينتزه عن الشئ يرخص فيه رسول الله ويفعله صلى الله عليه وآله وسلم... أخرج البخاري (57) عن عائشة قالت: صنع النبي (ص) شيئا فرخص فيه فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي (ص) فخطب فحمد الله ثم قال:
ما بال أقوام ينزهون عن الشئ أصنعه، فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية ا ه.
وسأل رسول الله (ص) حاطب بن بلتعة حين أرسل صحيفته إلى المشركين فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع بها عن أهلي ومالي، وليس من أصحابك أحد إلا له هناك من قومه من يدفع الله به عن أهله وماله. فقال رسول الله (ص) صدق لا تقولوا له إلا خيرا.
فقال عمر: قد خان الله ورسوله والمؤمنين دعني فلا ضرب عنقه - الحديث.
أخرجه البخاري في آخر كتاب استتابة المرتدين من الجزء الرابع من صحيحه، وفي مواضع أخر من الصحيح.
ولا يخفى ما فيه من الدلالة على ما قلناه. ولو أردنا استيفاء ما كان من هذا القبيل من موارد تأولهم في مقابل الدليل لطال الباب وخرجنا عن خطة الكتاب، فعساك تقنع بعد هذا بمعذرة المتأولين وتقلع عما ابتدعه طغام المرجفين.
وإن أردت المزيد وابتغيت التأكيد فخذ مني مضافا إلى ما تلوناه وعلاوة على ما أسلفناه دليلا قاطعا وبرهانا ساطعا لا ترتاب بعده في معذرة المتأولين ولا تشك في نجاتهم يوم الدين، وحاصله أن الجمهور أجمعوا على خلافة عثمان منذ بويع حتى قتل، مع ما كان في أيامه من الأحداث التي لولا حمله فيها على التأول لبطلت إمامته وسقط عن أريكة الخلافة، وحسبك من تلك الأحداث ما هو معلوم بالتواتر وضرورة التاريخ، وسأتلو عليك يسيرا منها نقلا من كتاب الملل