ثم انصرف عند ذلك عني والروح معه، فعند ذلك أتاه ملك آخر فأخذها منه وطرحها (1) في ثوب أخضر من حرير، وصعد بها ووضعها بين يدي الله في أقل من طبقة جفن (على جفن)، فلما حصلت الروح بين يدي ربي سبحانه (وتعالى) سئلها عن الصغيرة والكبيرة، وعن الصلاة والصيام في شهر رمضان وحج بيت الله الحرام وقراءة القرآن والزكاة والصدقات، وساير الأوقات والأيام، وطاعة الوالدين وعن قتل النفس بغير الحق، وأكل مال اليتيم (ومال الربا والزنا والفواحش) وعن مظالم العباد، وعن التهجد بالليل والناس نيام، وما يشاكل ذلك، ثم (من) بعد ذلك ردت الروح إلى الأرض بإذن الله تعالى.
فعند ذلك أتاني الغاسل (2)، فجردني من أثوابي وأخذ في تغسيلي، فنادته الروح: (بالله عليك) يا عبد الله! رفقا بالبدن الضعيف، فوالله ما خرجت من عرق إلا انقطع ولا عضو إلا انصدع، فوالله لو سمع الغاسل ذلك القول لما غسل (2) ميتا أبدا، ثم إنه أجرى علي الماء، وغسلني ثلاثة أغسال وكفنني في ثلاثة أثواب وحنطني بحنوط، وهو الزاد الذي خرجت به إلى (دار) الآخرة، ثم جذب الخاتم من يدي اليمنى (بعد فراغه من الغسل) ودفعه إلى أكبر أولادي (3) وقال: آجرك الله (تعالى) في أبيك وأحسن لك الأجر والعزاء، ثم أدرجني في الكفن ولفني ونادى أهلي وجيراني وقال: هلموا إليه بالوداع، (فأقبلوا) عند ذلك لوداعي، فلما فرغوا من وداعي حملت على سرير (من) خشب (وحملوني على أكتاف أربعة) والروح عند ذلك بين وجهي وكفني (واقفة على نعشي وهي تقول: يا أهلي وأولادي!
لا تلعب بكم الدنيا كما لعبت بي، لهذا ما جمعته من حل ومن غير حل وخلفته بالهنائة والصحة فاحذروني فيه، ولم أزل كذلك) حتى وضعت