ساحل البحر، قيل: بناها إسكندر بن فيلقوس اليوناني، وكان فيها المنارة التي هي إحدى العجائب السبعة التي كانت في الدنيا من المرمر الأبيض، ارتفاعها مأة وعشرون ذراعا، ترى في البحر في مسافة مأة ميل، ولما فتحها عمرو بن العاص في خلافة عمر بن الخطاب دخل عليه خاتم الفلاسفة، يحيى النحوي المصري الإسكندراني، الأسقف في كنيسة الإسكندرية، وكان قد أبطل التثليث الذي كان يعتقده النصارى اليعقوبية، فأكرمه عمرو ورأى له موضعا وسمع كلامه في إبطال التثليث وانقضاء الدهر وغير ذلك، مما لم يكن العرب يأنسه، فأعجبه ولازمه ولا يكاد يفارقه، فقال له يحيى يوما: إنك قد أحطت بحواصل الإسكندرية، فأما مالك به انتفاع فلا أعارضك فيه وأما ما لا نفع لكم به فنحن أولى به، فقل عمرو: ما الذي تحتاج إليه؟
قال: كتب الحكمة في الخزائن الملوكية، قال: ومن جمعها؟ قال:
إن مطولوماوس، من ملوك الإسكندرية لما ملك حبب إليه العلم والعلماء وفحص عن كتب العلم وأمر بجمعها وأفرد لها خزائن وولى أمرها رجلا يقال له: زميره، فاجتمع في مدة أربعة وخمسون كتاب ومأة وعشرون كتابا، فقال الملك لزميرة: أترى بقي في الأرض من كتب العلوم ما لم يكن عندنا؟ فقال: قد بقي في الدنيا شئ كثير في السند والهند والفارس وجرجان والأوطن وبابل وموصل، فعجب وقال له: دم على التحصيل فلم يزل على ذلك حتى مات الملك وهذه الكتب محروسة إلى وقتنا هذا، فاستكثر عمرو ما ذكره يحيى وقال له: لا يمكنني أن آمر فيها بأمر إلا بعد أن أكتب إلى عمر بن الخطاب، وكتب إلى عمرو عرفه قول يحيى واستأذنه ما الذي يصنع بها؟ وأخبره إني فتحت مدينة لا أقدر أن أصفها غير أني أصبت فيها ألف حمام وأربعين ألف يهودي يؤدون الجزية، وأربعمائة ملهى للملوك واثنى عشر ألف إنسان يبيعون البقل الأخضر، فورد عليه كتاب عمر، فيه:
وأما الكتب فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله غنى عنه، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليها فتقدم بإعدامها، فشرع عمرو في تفريقها على حمامات الإسكندرية وإحراقها في مواقدها، وذكروا أنها