وظاهره يومئ إن هذا البعض أراد التأييد لفضل جعفر على سلمان بأن من سبقه حالة المجوسية كيف يصير أفضل على من لم يكن كذلك، وهو منقوض بمثله، لأن جعفر سبقه حال الكفر، وهي ملة واحدة، فيكون المراد من قوله: (مجوسيا ثم أسلم) إنه من هذه القبيلة وإن أسلم بعد التمجس، في قبال أن جعفرا قرشي هاشمي، وهذا هو السبب لغضبه عليه السلام، إذ مناط الفضل ومداره بأمر آخر وهي التقوى، لا الانتساب بالأمهات والآباء - كما مر مشروحا - وقد قال الله تعالى: ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ (١)، وقال تعالى:
﴿يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم﴾ (٢)، وقال تعالى ﴿وإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم﴾ (3)، ولما كان الانتساب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد إحراز التقوى خارجا عن تلك القاعدة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
(إن لمحسننا حسنتان ولمسيئنا سيئتان)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (كل نسب وسبب منقطع يوم القيمة إلا نسبي وسببي) (4)، أراد عليه السلام أن يبين أن سلمان حاز تلك الفضيلة وفاز بتلك المرتبة الجليلة، فلا يجوز تفضيل أحد عليه بالانتساب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن طينته منهم حقيقة وغيره منهم ولادة، فهو محمدي علوي قرشي هاشمي، من غير مسامحة في التعبير في الواقع، وإن كان بضرب من المجاز، حسبما قرر في قواعد الألفاظ.
ومن هنا ظهر أنه لا يعارض هذا الحديث، ما مر من الخبر الصحيح الصريح في أنه لم يكن مجوسيا ولكنه كان مظهرا للشرك مبطنا للإيمان، مضافا إلى ما تقدم عن الصدوق في الإكمال، لأن قوله عليه السلام: (جعله الله علويا بعد أن كان مجوسيا)، إن الله جعله من هذه الطائفة بعد إن كان محسوبا في زمرة المجوس وإن لم يكن متدينا بمذهبهم في الواقع، لأن الفرض في