هم السلاطين في أطمار مسكنة جروا على الفلك الدوار أذيالا وروى
الصدوق في صفات الشيعة بإسناده عن
محمد بن الحنفية قال: (لما قدم
أمير المؤمنين عليه السلام البصرة بعد
قتال أهل الجمل دعاه
الأحنف بن قيس واتخذ له طعاما فبعث إليه
صلوات الله عليه وإلى أصحابه، فأقبل ثم قال: يا أحنف! أدع لي أصحابي، فدخل عليه قوم متخشعون كأنهم شنان بوالي، فقال
الأحنف بن قيس: يا أمير المؤمنين! ما هذا الذي نزل بهم، من قلة
الطعام أو من هول
الحرب؟ فقال
صلوات الله عليه: لا، يا أحنف، إن الله سبحانه أحب أقواما تنسكوا له في دار الدنيا تنسك من هجم على ما علم من قربهم من
يوم القيامة من قبل أن يشاهدوها، فحملوا أنفسهم على مجهودها وكانوا إذا ذكروا صباح يوم العرض على الله سبحانه توهموا خروج عنق يخرج من النار، يحشر الخلائق إلى ربهم تبارك وتعالى وكتاب يبدو فيه على رؤوس الأشهاد فضايح ذنوبهم، فكادت أنفسهم تسيل سيلانا، أو تطير قلوبهم بأجنحة
الخوف طيرانا، وفارقهم عقولهم إذا غلت بهم من أجل التجرد (١) إلى الله سبحانه غليانا، فكانوا يحنون حنين الواله في دجى
الظلم، وكانوا يفجعون من
خوف ما أوقفوا عليه أنفسهم فمضوا ذبل الأجسام، حزينة قلوبهم، كالحة وجوههم، ذابلة شفاههم، خامصة بطونهم، تراهم سكارى اسهارا وحشة الليل، تنخشعون كأنهم شنان بوالي، قد أخلصوا لله أعمالهم سرا وعلانية، فلم يأمن من فزعة قلوبهم بل كانوا كمن حرسوا قباب خراجهم، فلو رأيتهم في ليلتهم وقد نامت العيون، وهدأت الأصوات (٢)، وسكنت الحركات من الطير في الوكور، وقد نبههم هول
يوم القيامة والوعيد، كما قال سبحانه:
﴿أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون﴾ (3)، فاستيقظوا