ونسوا ذلك، وذلك يؤدي إلى الجهل، وإلى صحة مذهب التناسخية، لأن من أقوى الدليل في الرد عليهم أن النفس المتعلقة بهذا البدن لو كانت منتقلة إليه من بدن آخر لزم أن يتذكر شيئا من أحوال ذلك البدن، لأن محل العلم والتذكر إنما هو جوهر النفس الباقي كما كان، واللازم باطل. فلهم أن ينقضوه بقصة العهد والميثاق، ويقولوا: لا واقعة أعظم من هذه الواقعة، ولا محفل أجمع من هذا المحفل الذي جمع فيه الخلائق أجمعين، ولا يجد إنسان منهم من نفسه تذكر شئ من هذه الواقعة أصلا. بل ينكره غاية الإنكار، إلا أن يقال: امتناع التناسخ إنما يتم بالدليل النقلي لا بالدليل العقلي، والدليل النقلي لا يشمل تلك الصورة، وفيه نظر.
وأما ادعاء الصوفية تذكره وبقاء لذة الخطاب في آذانهم كما أشار إليه صاحب عرائس البيان (1) بعد كلام: ويقال: كاشف قوما حال الخطاب بجماله، فطرحهم في هيجان حبه، فاستكتب نجاتهم في كوامن أسرارهم، فإذا سمعوا اليوم سماعا تجدد لهم تلك الأحوال والانزعاج الذي يظهر منهم لتذكر ما سلف لهم من العهد القديم، فهذيان عند أهل الأديان، كدعواهم أنا نستمع حال الرقص والسماع من حور مقصورات في خيام الجنة ونجامعهن جامع وطي، فإذا صاروا مغشيا عليهم وقت السماع والطرب اغتسلوا غسل جنابة بعد أن أفاقوا.
وأما ثامنا: فلأن تلك الذرات المسؤولة غير أزلية، والسؤال لم يكن في الأزل، وإنما كان: إما في عالم الأرواح الصرفة، أو وقت تخمير الطينة قبل خلق آدم منها، أو كان بعد خلق آدم منها حين أخرجهم من صلبه وهم ذر يدبون يمينا وشمالا، أو كان فيهما جميعا كما يفهم من الأخبار المذكورة في الكافي (2). ولعله اشتبه عليه عالم الذر فظن أن المراد به الأزل، وليس كذلك، بل المراد به أحد الأخيرين أو كلاهما، فلا تغفل.