التفتت والتشتت، أو بإنشائها منها مرة أخرى كما أنشأها منها في المرة الأولى،، وقد ورد في الخبر: " أن الله إذا أراد أن يبعث الخلق مطر السماء على الأرض أربعين صباحا فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم " (1).
وبعضهم (2) حمل الطينة في هذا الخبر على النفس الناطقة مجازا، لأن المدار عليها، ولا اعتبار بالبدن فإنها تثاب وتعاقب، وهو بعيد.
وإنما تبقى مستديرة لكونها في بدو الفطرة حين كونها في الرحم كذلك، لأن الماء بطبعه يقتضي الكروية والاستدارة حيثما كان كما هو المقرر عندهم، حيث قالوا: إن السطح الظاهر من الماء الواقف أينما كان يكون قطعة من سطح كري مركزه مركز العالم، لأنه لو كان سطحا مستويا لكان جزءا منه أقرب منه إلى المركز وجزءا منه أبعد فيميل الماء من الموضع الأبعد إلى الموضع الأقرب، لأنه سيال مائل إلى مركز العالم بالطبع فينتقل من موضع إلى آخر، أي: تتشابه نسبة جميع أجزاء سطحه الظاهر إلى مركز العالم فيصير قطعة من سطح كرة مركزها العالم.
وقد يقال: إن استدارتها كناية عن انتقالها من حال إلى حال من الدوران بمعنى الحركة، يعني: أنها مأخوذة من دار يدور دورانا، بمعنى منتقلة من حال إلى حال، ومن شأن إلى شأن، فما سوى الطينة ينفى وإنما تبقى الطينة مستديرة مستديمة مستمرة في جميع مراتب التغير دائرة منتقلة من حال إلى حال مع بقائها بذاتها حتى يخلق منها كما خلق أول مرة.
والأظهر أن المراد بالطينة هنا كما سبق شخص النطفة التي خلق منها الميت تبقى في القبر على هيأة الكرة إلى أن يعاد في القيامة، ولا استبعاد في بقائها بحالها بالنظر إلى قدرة الله القادر، فلا حاجة إلى تأويلها بالصورة البرزخية الباقية بعد الموت، ولا إلى القول بأنها إنما لا تبلى لأنها لا تقبل البلى، لأنه خلاف الأظهر بل هو خلاف الشرع الأنور، لابتنائه على القواعد الفلسفية.