ببقائه مدة البرزخ: إما بنفسه، أو بجسد مثالي يتعلق به: إما منعما، أو معذبا، أو ملهوا عنه إلى يوم نفح الصور لقيام القيامة، وقد عرفت أنه لا موت ولا فناء بعده لشئ من الأرواح، فكيف يسوغ له القول هنا بأنه تعالى يفني الأشياء جميعا ثم يوجدها؟ ثم إنه (قدس سره) قد رجع عن قوله بماديتها وصرح بتجردها وبقائها في اعتقاداته، وهو الحق.
وأما ثانيا: فلأن القول بالزمان الموهوم - مع أنه واهي لا محصل له ولا دليل عليه - باطل عند محصلي المتكلمين، ومخالف لظاهر الشرع المبين على ما يشعر به بعض الأخبار كما صرح به بعض الأخيار، وقد ذكرنا نبذا منها في رسالتنا (1) المعمولة لتحقيق القول بالحدوث الدهري، ومنها الخطبة المستدل بها، فإن الزمان الموهوم لو كان شيئا في نفس الأمر لتكون الأولية والآخرية بحسبه لكان قبل ابتداء العالم، وكذلك بعد فنائه زمان، وقوله (عليه السلام) في تلك الخطبة: " وإنه يعود سبحانه بعد فناء العالم وحده لا شئ معه، كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها بلا وقت ولا مكان ولا حين ولا زمان، عدمت عند ذلك الآجال والأوقات، وزالت السنون والساعات، فلا شئ إلا الله " (2) ينفيه، وإن لم يكن شيئا في نفس الأمر فهو مجرد اسم من دون تحقق المسمى، فكيف تكون الأولية والآخرية بحسبه؟ ثم كيف يكون له تحقق وليس له منشأ انتزاع موجود في الخارج؟ إذ هو غير قار، لا يمكن انتزاعه إلا مما يختلف نسبته إلى الأمور الخارجة وقبل حدوث العالم وبعد فنائه، على هذا الفرض ليس موجود سوى ذات الله تعالى، وقد فصلنا القول فيه بما لا مزيد عليه في الرسالة المذكورة فليطلب من هناك.
وأما ثالثا: فلأنه لما فرض أن المراد بالأولية الأسبقية بحسب الزمان فحينئذ لا معنى لقوله: إذ لو قيل بزمان موجود قديم... إلى آخره، لدلالته على أن الزمان لو كان موجودا قديما لتم القول بالأسبقية الزمانية، إلا أنه يلزم منه إثبات قديم